كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 12)

وَجُمْلَةُ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ كَأَنَّهُمُ اسْتَعْظَمُوا أَنْ يَكُونَ جُرْمُهُمْ مِمَّا يُقْبَلُ الاسْتِغْفَار عَنهُ، فأجيبوا بأنّ اللَّهَ قَرِيبٌ مُجِيبٌ، وَبِذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْجُمْلَةَ لَيْسَتْ بِتَعْلِيلٍ.
وَحَرْفُ إِنَّ فِيهَا لِلتَّأْكِيدِ تَنْزِيلًا لَهُمْ فِي تَعْظِيمِ جُرْمِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يَشُكُّ فِي قَبُولِ اسْتِغْفَارِهِ.
وَالْقُرْبُ: هُنَا مُسْتَعَارٌ لِلرَّأْفَةِ وَالْإِكْرَامِ، لِأَنَّ الْبُعْدَ يُسْتَعَارُ لِلْجَفَاءِ وَالْإِعْرَاضِ. قَالَ جُبَيْرُ بْنُ الْأَضْبَطِ:
تَبَاعَدَ عَنِّي مِطْحَلٌ إِذْ دَعَوْتُهُ ... أَمِينَ فَزَادَ اللَّهُ مَا بَيْنَنَا بُعْدًا
فَكَذَلِكَ يُسْتَعَارُ ضِدُّهُ لِضِدِّهِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [186] . وَالْمُجِيبُ هُنَا: مُجِيبُ الدُّعَاءِ، وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ. وَإِجَابَةُ الدُّعَاءِ:
إِعْطَاء السَّائِل مسؤوله.
[62]

[سُورَة هود (11) : آيَة 62]
قالُوا يَا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)
هَذَا جَوَابُهُمْ عَنْ دَعْوَتِهِ الْبَلِيغَةِ الْوَجِيزَةِ الْمَلْأَى إِرْشَادًا وَهَدْيًا. وَهُوَ جَوَابٌ مَلِيءٌ بِالضَّلَالِ وَالْمُكَابَرَةِ وَضَعْفِ الْحُجَّةِ.
وَافْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِالنِّدَاءِ لِقَصْدِ التَّوْبِيخِ أَوِ الْمَلَامِ وَالتَّنْبِيهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: قالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ [هود: 53] . وَقَرِينَةُ التَّوْبِيخِ هُنَا أَظْهَرُ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ: قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا فَإِنَّهُ تَعْرِيضٌ بِخَيْبَةِ رَجَائِهِمْ فِيهِ فَهُوَ تَعْنِيفٌ.
وقَدْ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ.

الصفحة 109