كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 12)

وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ، وَلِذَلِكَ يَقَعُ فِي مَثَلِهِ التَّقْرِيرُ عَلَى النَّفْيِ إِرْخَاءً لِلْعِنَانِ مَعَ الْمُخَاطَبِ الْمُقَرَّرِ لِيَعْرِفَ خَطَأَهُ. وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ فِي أوّل اللَّيْل.
[82، 83]

[سُورَة هود (11) : الْآيَات 82 إِلَى 83]
فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا.
وَقَوْلُهُ: جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ تَعَودُ الضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةُ الْمَجْرُورَةُ بِالْإِضَافَةِ وَبِحَرْفِ (عَلَى) عَلَى الْقَرْيَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنَ السِّيَاقِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَرْيَةَ انْقَلَبَتْ عَلَيْهِمِ انْقِلَابَ خَسْفٍ حَتَّى صَارَ عَالِيَ الْبُيُوتِ سَافِلًا، أَيْ وَسَافِلُهَا عَالِيًا، وَذَلِكَ مِنَ انْقِلَابِ الْأَرْضِ بِهِمْ.
وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ جَعْلِ الْعَالِي سَافِلًا لِأَنَّهُ أَدْخَلُ فِي الْإِهَانَةِ.
وَالسِّجِّيلُ: فُسِّرَ بِوَادٍ نَارٍ فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ: سِجِّيلٌ بِاللَّامِ، وَسَجِّينٌ بِالنُّونِ. ومِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، أَيْ بِحِجَارَةٍ كَأَنَّهَا مِنْ سِجِّيلِ جَهَنَّمَ، كَقَوْلِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
وَجِلْدُهَا مِنْ أَطُومِ الْبَيْتِ وَقَدْ جَاءَ فِي التَّوْرَاةِ: أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنَ السَّمَاءِ. وَلَعَلَّ الْخَسْفَ فَجَّرَ مِنَ الْأَرْضِ بَرَاكِينَ قَذَفَتْ عَلَيْهِمْ حِجَارَةَ مَعَادِنٍ مُحْرِقَةٍ كَالْكِبْرِيتِ، أَوْ لَعَلَّ بُرْكَانًا كَانَ قَرِيبًا مِنْ مُدُنِهِمُ انْفَجَرَ بِاضْطِرَابَاتٍ أَرْضِيَّةٍ ثُمَّ زَالَ مِنْ ذَلِكَ

الصفحة 134