كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 12)

الرُّسُلِ وَزَادَهُمْ تَأْمِيلُهُمُ الْأَصْنَامَ، وَقَدْ كَانَتْ خُرَافَاتُ الْأَصْنَامِ وَمَنَاقِبُهَا الْبَاطِلَةُ مُغْرِيَةً لَهُمْ بِارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ وَالضَّلَالِ وَانْحِطَاطِ الْأَخْلَاقِ وَفَسَادِ التَّفْكِيرِ جُرْأَةً عَلَى رُسُلِ اللَّهِ حَتَّى حَقَّ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ الْمُسْتَوْجِبُ حُلُولَ عَذَابه بهم.
[102]

[سُورَة هود (11) : آيَة 102]
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)
الْإِشَارَة إِلَى الْمَذْكُورَة مِنِ اسْتِئْصَالِ تِلْكَ الْقُرَى. وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَخْذُ رَبِّكَ. وَالتَّقْدِيرُ: وَكَذَلِكَ الْأَخْذُ الَّذِي أَخَذْنَا بِهِ تِلْكَ الْقُرَى أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى.
وَالتَّشْبِيهُ فِي الْكَيْفِيَّةِ وَالْعَاقِبَةِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّذْيِيلِ تَعْرِيضٌ بِتَهْدِيدِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا.
وَالظُّلْمُ: الشِّرْكُ. وَجُمْلَةُ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ فِي مَوْضِعِ الْبَيَانِ لِمَضْمُونِ وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وَجه الشّبه.
[103، 104]

[سُورَة هود (11) : الْآيَات 103 إِلَى 104]
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104)
بَيَانٌ لِلتَّعْرِيضِ وَتَصْرِيحٌ بَعْدَ تَلْوِيحٍ. وَالْمَعْنَى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبك فَاحْذَرُوهُ وحذروا مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ وَهُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ. وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْأَخْذِ الْمُتَقَدِّمِ. وَفِي هَذَا تَخْلُصٌ إِلَى مَوْعِظَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّعْرِيضِ بِمَدْحِهِمْ بِأَنَّ مِثْلَهُمْ مَنْ يَنْتَفِعُ بِالْآيَاتِ وَيَعْتَبِرُ بِالْعِبْرِ كَقَوْلِهِ:
وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ [العنكبوت: 43] .

الصفحة 160