كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 12)

وَمَشْهَدٌ قَدْ كَفَيْتُ النَّاطِقِينَ بِهِ ... فِي مَحْفَلٍ مِنْ نَوَاصِي الْخَيْلِ مَشْهُودِ
فَيَكُونُ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [النِّسَاء: 41، 42] الْآيَةَ.
وَجُمْلَةُ وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَبَيْنَ جملَة يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ [هود: 105] إِلَخْ. وَالْمَقْصُودُ الرَّدُّ عَلَى الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ مُسْتَدِلِّينَ بِتَأْخِيرِ وُقُوعِهِ فِي حِينِ تَكْذِيبِهِمْ بِهِ يَحْسَبُونَ أَنَّ تَكْذِيبَهُمْ بِهِ يَغِيظُ اللَّهَ تعَالَى فَيُعَجِّلُهُ لَهُمْ جَهْلًا مِنْهُمْ بِمَقَامِ الْإِلَهِيَّةِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ أَنَّ تَأْخِيرَهُ إِلَى أَجَلٍ حَدَّدَهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ يَوْمِ خَلْقِ الْعَالَمِ كَمَا حَدَّدَ آجَالَ الْأَحْيَاءِ، فَيَكُونُ هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ [سبأ: 29، 30] .
وَالْأَجَلُ: أَصْلُهُ الْمُدَّةُ الْمُنْظَرُ إِلَيْهَا فِي أَمْرٍ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى نِهَايَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا بِقَرِينَةِ اللَّامِ، كَمَا أُرِيدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ [الْأَعْرَاف: 34] .
وَالْمَعْدُودُ: أَصْلُهُ الْمَحْسُوبُ، وَأُطْلِقَ هُنَا كِنَايَةً عَنِ الْمُعَيَّنِ الْمَضْبُوطِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَخَّرُ وَلَا يَتَقَدَّمُ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ يَلْزَمُهُ التَّعَيُّنُ، أَوْ كِنَايَةً عَن الْقرب.

الصفحة 162