كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 12)

[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 19]
وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يَا بُشْرى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (19)
عطف على وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ [سُورَة يُوسُف: 16] عَطْفُ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ. وَهَذَا رُجُوعٌ إِلَى مَا جَرَى فِي شَأْنِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَالْمَعْنَى: وَجَاءَتِ الْجُبَّ.
وَ (السَّيَّارَةِ) تَقَدَّمَ آنِفًا.
وَالْوَارِدُ: الَّذِي يَرِدُ الْمَاءَ لِيَسْتَقِيَ لِلْقَوْمِ.
وَالْإِدْلَاءُ: إِرْسَالُ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ لِنَزْعِ الْمَاءِ.
وَالدَّلْوُ: ظَرْفٌ كَبِيرٌ مِنْ جِلْدٍ مَخِيطٍ لَهُ خُرْطُومٌ فِي أَسْفَلِهِ يَكُونُ مَطْوِيًّا عَلَى ظَاهِرِ الظَّرْفِ بِسَبَبِ شَدِّهِ بِحَبْلٍ مُقَارِنٍ لِلْحَبْلِ الْمُعَلَّقَةِ فِيهِ الدَّلْوُ. وَالدَّلْوُ مُؤَنَّثَةٌ.
وَجُمْلَةُ قَالَ يَا بُشْرَايَ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِأَنَّ ذِكْرَ إدلاء الدَّلْو يهيّىء السَّامِعَ لِلسُّؤَالِ عَمَّا جَرَى حِينَئِذٍ فَيَقَعُ جَوَابُهُ قَالَ يَا بُشْرَايَ.
وَالْبُشْرَى: تَقَدَّمَتْ فِي قَوْله تَعَالَى: هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
فِي سُورَةِ يُونُسَ [64] .
وَنِدَاءُ الْبُشْرَى مَجَازٌ، لِأَنَّ الْبُشْرَى لَا تُنَادَى، وَلَكِنَّهَا شُبِّهَتْ بِالْعَاقِلِ الْغَائِبِ الَّذِي احْتِيجَ إِلَيْهِ فَيُنَادَى كَأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: هَذَا آنُ حُضُورِكَ. وَمِنْهُ: يَا حسرتا، وَيَا عجبا، فَهِيَ مَكْنِيَّةٌ وَحَرْفُ النِّدَاءِ تَخْيِيلٌ أَوْ تَبَعِيَّةٌ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ فَرِحَ وَابْتَهَجَ بِالْعُثُورِ عَلَى غُلَامٍ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَا بُشْرَايَ بِإِضَافَةِ الْبُشْرَى إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ بِدُونِ إِضَافَةٍ.

الصفحة 241