كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 12)

وَإِذَا كَانَ نَظْمُ الْآيَةِ عَلَى غَيْرِ مَا صَدَرَ مِنْ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ فِي الْآيَةِ إِيجَازٌ لِحِكَايَةِ كَلَامِ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَكَانَ كَلَامًا مُعَيَّنًا فِيهِ كُلٌّ مِنَ الْفَتَيَيْنِ بِأَنْ قَالَ: أَمَّا أَنْتَ فَكَيْتُ وَكَيْتُ، وَأَمَّا أَنْتَ فَكَيْتُ وَكَيْتُ، فَحُكِيَ فِي الْآيَةِ بِالْمَعْنَى.
وَجُمْلَةُ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ تَحْقِيقٌ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا، وَأَنَّ تَعْبِيرَهَا هُوَ مَا أَخْبَرَهُمَا بِهِ فَإِنَّهُمَا يَسْتَفْتِيَانِ فِي دَلَالَةِ الرُّؤْيَا عَلَى مَا سَيَكُونُ فِي شَأْنِ سِجْنِهِمَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْبَرُ هَمِّهِمَا، فَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ تَعْبِيرُ رُؤْيَاهُمَا.
وَالِاسْتِفْتَاءُ: مَصْدَرُ اسْتَفْتَى إِذَا طَلَبَ الْإِفْتَاءَ. وَهُوَ: الْإِخْبَارُ بِإِزَالَةِ مُشْكِلٍ، أَوْ إِرْشَادٌ إِلَى إِزَالَةِ حَيْرَةٍ. وَفِعْلُهُ أَفْتَى مُلَازِمٌ لِلْهَمْزِ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ فعل مُجَرّد، فدلا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَمَزَهُ فِي الْأَصْلِ مُجْتَلَبٌ لِمَعْنًى، قَالُوا: أَصْلُ اشْتِقَاقِ أَفْتَى مِنَ الْفَتَى وَهُوَ الشَّابُّ، فَكَأَنَّ الَّذِي يُفْتِيهِ يُقَوِّي نَهْجَهُ بِبَيَانِهِ فَيَصِيرُ بِقُوَّةِ بَيَانِهِ فَتِيًّا أَيْ قَوِيًّا. وَاسْمُ الْخَبَرِ الصَّادِرِ مِنَ الْمُفْتِي: فَتْوَى- بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِضَمِّهَا مَعَ الْوَاوِ مَقْصُورًا، وَبِضَمِّ الْفَاءِ مَعَ الْيَاء مَقْصُورا-.
[42]

[سُورَة يُوسُف (12) : آيَة 42]
وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)
قَالَ يُوسُفُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِلَّذِي ظَنَّ نَجَاتَهُ مِنَ الْفَتَيَيْنِ وَهُوَ السَّاقِي. وَالظَّنُّ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي الْقَرِيبِ مِنَ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي صِحَّةِ تَعْبِيرِهِ الرُّؤْيَا. وَأَرَادَ بِذِكْرِهِ ذِكْرُ قَضِيَّتِهِ وَمَظْلَمَتِهِ، أَيِ اذْكُرْنِي لِرَبِّكَ، أَيْ سَيِّدِكَ. وَأَرَادَ بِرَبِّهِ مَلِكَ مِصْرَ.
وَضَمِيرَا فَأَنْساهُ ورَبِّهِ يَحْتَمِلَانِ الْعود إِلَى لِلَّذِي، أَيْ أَنْسَى الشَّيْطَانُ الَّذِي نَجَا أَنْ يَذْكُرَهُ لِرَبِّهِ، فَالذِّكْرُ الثَّانِي هُوَ الذِّكْرُ الْأَوَّلُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ

الصفحة 278