كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 12)

وَفِي التَّوْرَاةِ «فَأَرْسَلَ وَدَعَا جَمِيعَ سَحَرَةِ مِصْرَ وَجَمِيعَ حُكَمَائِهَا وَقَصَّ عَلَيْهِمْ حُلْمَهُ فَلَمْ يَكُنْ مَنْ يَعْبُرُهُ لَهُ» (¬1) . وَإِنَّمَا كَانَ مِمَّا يَقْصِدُ فِيهِ إِلَى الْكَهَنَةِ لِأَنَّهُ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي أَخْبَارِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّ كِسْرَى أَرْسَلَ إِلَى سُطَيْحٍ الْكَاهِنِ ليعبر لَهُ رُؤْيا أَيَّام ولادَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ مَعْدُودَةٌ مِنَ الْإِرْهَاصَاتِ النَّبَوِيَّةِ. وَحَصَلَ لِكِسْرَى فَزَعٌ فَأَوْفَدَ إِلَيْهِ عَبْدَ الْمَسِيحِ.
فَالتَّعْرِيفُ فِي قَوْله لِلرُّءْيا تَعْرِيفُ الْعَهْدِ، وَالْمَعْهُودُ الرُّؤْيَا الَّتِي كَانَ يَقُصُّهَا عَلَيْهِمْ عَلَى طَرِيقَةِ إِعَادَةِ النَّكِرَةِ مُعَرَّفَةً بِاللَّامِ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ عَيْنَ الْأُولَى. وَالْمَعْنَى: إِنْ كُنْتُمْ تَعْبُرُونَ هَذِهِ الرُّؤْيَا.
وَالْأَضْغَاثُ: جَمْعُ ضِغْثٍ- بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ- وَهُوَ: مَا جُمِعَ فِي حُزْمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَخْلَاطِ النَّبَاتِ وَأَعْوَادِ الشَّجَرِ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى الْأَحْلَامِ عَلَى تَقْدِيرِ اللَّامِ، أَيْ أَضْغَاثٌ لِلْأَحْلَامِ.
وَالْأَحْلَامُ: جَمْعُ حُلُمٍ- بِضَمَّتَيْنِ- وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ فِي نَوْمِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: هَذِهِ الرُّؤْيَا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ. شُبِّهَتْ تِلْكَ الرُّؤْيَا بِالْأَضْغَاثِ فِي اخْتِلَاطِهَا وَعَدَمِ تَمَيُّزِ مَا تَحْتَوِيهِ لَمَّا أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ تَأْوِيلُهَا.
وَالتَّعْرِيفُ فِيهِ أَيْضًا تَعْرِيفُ الْعَهْدِ، أَيْ مَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ أَحْلَامِكَ هَذِهِ بِعَالِمِينَ.
وَجُمِعَتْ أَحْلامٍ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْأَشْيَاءِ الْمَرْئِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْحُلْمِ، فَهِيَ عِدَّةُ رُؤَى.
وَالْبَاءُ فِي بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ لِتَأْكِيدِ اتِّصَالِ الْعَامِلِ بِالْمَفْعُولِ، وَهِيَ مِنْ قَبِيلِ بَاءِ الْإِلْصَاقِ مِثْلَ بَاء وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [سُورَة الْمَائِدَة: 6] ، لِأَنَّهُمْ نَفَوُا التَّمَكُّنَ مِنْ تَأْوِيلِ
هَذَا الْحُلْمِ. وَتَقْدِيمُ هَذَا الْمَعْمُولِ عَلَى الْوَصْفِ الْعَامِلِ فِيهِ كَتَقْدِيمِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ.
¬_________
(¬1) الإصحاح الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ من سفر التكوين.

الصفحة 282