كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 12)

الْإِشَارَةِ مِنَ الْوَصْفِ، وَهَذَا أَشَدُّ الظُّلْمِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [5] .
وَلِمَا يُؤْذِنُ بِهِ اسْمُ الْإِشَارَةِ مِنْ مَعْنَى تَعْلِيلِ مَا قَبْلَهُ فِيمَا بَعْدَهُ عُلِمَ أَنَّ عَرْضَهُمْ عَلَى رَبِّهِمْ عَرْضُ زَجْرٍ وَانْتِقَامٍ.
وَالْعَرْضُ إِذَا عُدِّيَ بِحَرْفِ (عَلَى) أَفَادَ معنى الْإِحْضَار بإراءة.
وَاخْتِيَارُ وَصْفِ السَّبَبِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ.
وَعَطْفُ فِعْلِ (يَقُولُ) عَلَى فِعْلِ (يُعْرَضُونَ) الَّذِي هُوَ خَبَرٌ، فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى جُزْءِ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ وَهُوَ هُنَا ابْتِدَاءُ عَطْفِ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ فَكِلَا الْفِعْلَيْنِ مَقْصُودٌ بِالْإِخْبَارِ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ.
وَالْمَعْنَى أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ لِلْعِقَابِ وَيُعْلَنُ الْأَشْهَادُ بِأَنَّهُمْ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ فَضْحًا لَهُمْ.
وَالْأَشْهَادُ: جَمْعُ شَاهِدٍ بِمَعْنَى حَاضِرٍ، أَوْ جَمْعُ شَهِيدٍ بِمَعْنَى الْمُخْبِرِ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ. وَهَؤُلَاءِ الْأَشْهَادُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
وَاسْتِحْضَارُهُمْ بِطَرِيقِ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِتَمْيِيزِهِمْ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ حَتَّى يَشْتَهِرَ مَا سَيُخْبِرُ بِهِ عَنْ حَالِهِمْ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ شُهْرَتُهُمْ بِالسُّوءِ وَافْتِضَاحُهُمْ.
وَالْإِتْيَانُ بِالْمَوْصُولِ فِي الْخَبَرِ عَنْهُمْ إِيمَاءً إِلَى سَبَبِيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ الَّذِي فِي الصِّلَةِ فِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُكْمِ وَهُوَ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ، عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ تَشْهِيرُهُمْ دُونَ الشَّهَادَةِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِعْلَانِ هَذِهِ الصِّفَةِ التَّشْهِيرُ وَالْخِزْيُ لَا إِثْبَاتُ كَذِبِهِمْ لِأَنَّ إِثْبَاتَ ذَلِكَ حَاصِلٌ فِي صُحُفِ أَعْمَالِهِمْ وَلِذَلِكَ لَمْ يُسْنَدْ الْعَرْضُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ وَأُسْنِدَ إِلَى ذَوَاتِهِمْ فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ.
وَجُمْلَةُ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ مِنْ بَقِيَّةِ قَوْلِ الْأَشْهَادِ. وَافْتِتَاحُهَا بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ يُنَاسِبُ مَقَامَ التَّشْهِيرِ، وَالْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الدُّعَاءِ خِزْيًا وَتَحْقِيرًا

الصفحة 33