كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 12)

لَهُمْ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الْأَشْهَادِ وُقُوعُ نَظِيرِهِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [44] مُصَرَّحًا فِيهِ بِذَلِكَ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الْآيَةَ.
وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [45] .
وَضَمِيرُ الْمُؤَنَّثِ فِي قَوْلِهِ: (يَبْغُونَهَا) عَائِدٌ إِلَى سَبِيلِ الله لأنّ السَّبِيل يَجُوزُ اعْتِبَارُهُ مُؤَنَّثًا.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَبْغُونَ أَنْ تَصِيرَ سَبِيلُ اللَّهِ عَوْجَاءَ، فَعُلِمَ أَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ مُسْتَقِيمَةٌ وَأَنَّهُمْ
يُحَاوِلُونَ أَنْ يُصَيِّرُوهَا عَوْجَاءَ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَتْبَعَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَهُمْ وَيَغْضَبُونَ مِنْ مُخَالَفَتِهِ إِيَّاهُ. وَهُنَا انْتَهَى كَلَامُ الْأَشْهَادِ لِأَنَّ نَظِيرَهُ الَّذِي فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [44] فِي قَوْلِهِ: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الْآيَةَ انْتَهَى بِمَا يُمَاثِلُ آخِرِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَاخْتُصَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى نَظِيرِهَا فِي الْأَعْرَافِ بِزِيَادَةِ (هُمْ) فِي قَوْلِهِ: هُمْ كافِرُونَ وَهُوَ تَوْكِيدٌ يُفِيدُ تَقَوِّي الْحُكْمَ لِأَنَّ الْمَقَامَ هُنَا مَقَامُ تَسْجِيلِ إِنْكَارِهِمْ الْبَعْثَ وَتَقْرِيرِهِ إِشْعَارًا بِمَا يَتَرَقَّبُهُمْ مِنَ الْعِقَابِ الْمُنَاسِبِ فَحُكِيَ بِهِ مِنْ كَلَامِ الْأَشْهَادِ مَا يُنَاسِبُ هَذَا، وَمَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ حِكَايَةٌ لِمَا قِيلَ فِي شَأْنِ قَوْمٍ أُدْخِلُوا النَّارَ وَظَهَرَ عِقَابُهُمْ فَلَا غَرَضَ لِحِكَايَةِ مَا فِيهِ تَأْكِيدٌ مِنْ كَلَامِ الْأَشْهَادِ، وَكِلَا الْمَقَالَتَيْنِ وَاقِعٌ وَإِنَّمَا يَحْكِي الْبَلِيغُ فِيمَا يَحْكِيهِ مَا لَهُ مُنَاسِبَةٌ لِمَقَامِ الْحِكَايَةِ.
[20]

[سُورَة هود (11) : آيَة 20]
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ مَا كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (20)
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ.
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ نَاشِئٌ عَنْ الِاقْتِصَارِ فِي تَهْدِيدِهِمْ عَلَى وَصْفِ بَعْضِ عِقَابِهِمْ فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُثِيرُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ أَنْ يَسْأَلَ: هَلْ هُمْ سَالِمُونَ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا. فَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الدُّنْيَا، أَيْ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ مَقْدِرَةِ اللَّهِ عَلَى تَعْذِيبِهِمْ فِي الدُّنْيَا إِذَا اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ تَعْجِيلَ عَذَابِهِمْ.

الصفحة 34