كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 12)

[7]

[سُورَة هود (11) : آيَة 7]
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هود: 6] . وَالْمُنَاسَبَةُ أَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْ أَكْبَرِ مَظَاهِرِ عِلْمِ اللَّهِ وَتَعَلُّقَاتِ قُدْرَتِهِ وَإِتْقَانِ الصُّنْعِ،
فَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ لَازَمُهُ وَهُوَ الِاعْتِبَارُ بِسِعَةِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [54] .
وَجُمْلَةُ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا وَأَنْ تَكُونَ اعْتِرَاضًا بَيْنَ فِعْلِ (خَلَقَ) وَلَامِ التَّعْلِيلِ. وَأَمَّا كَوْنُهَا مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هود: 6] الْمَسُوقَةِ مَسَاقَ الدَّلِيلِ عَلَى سَعَةِ عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ فَغَيْرُ رَشِيقٍ لِأَنَّ مَضْمُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ لَيْسَ مَحْسُوسًا وَلَا مُتَقَرِّرًا لَدَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ هُوَ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ وَبَعْضُهُ طَرَأَ عَلَيْهِ تَغْيِير بِخلق السَّمَوَات فَلَا يَحْسُنُ جَعْلُهُ حُجَّةً عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِإِثْبَاتِ سَعَةِ عِلْمِ اللَّهِ وَقَدْرَتِهِ الْمَأْخُوذِ مِنْ جُمْلَةِ وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ [هود: 6] إلَخْ. وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعَرْشَ كَانَ مخلوقا قبل السَّمَوَات وَكَانَ مُحِيطًا بِالْمَاءِ أَوْ حَاوِيًا لِلْمَاءِ. وَحَمْلُ الْعَرْشِ عَلَى أَنَّهُ ذَاتٌ مخلوقة فَوق السَّمَوَات هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ. وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَرْشَ مَخْلُوقٌ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمَاءَ مَخْلُوق قبل السَّمَوَات وَالْأَرْضِ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ وَكَيْفِيَّتُهُ وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِعْلَاءِ مِمَّا لَا قِبَلَ لِلْأَفْهَامِ بِهِ إِذِ التَّعْبِيرُ عَنْهُ تَقْرِيبٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْعَرْشِ مُلْكَ اللَّهِ وَحُكْمَهُ تَمْثِيلًا بِعَرْشِ السُّلْطَانِ، أَيْ كَانَ مُلْكُ اللَّهِ قبل خلق السَّمَوَات وَالْأَرْضِ مُلْكًا عَلَى الْمَاءِ.
وَقَوْلُهُ: لِيَبْلُوَكُمْ مُتَعَلِّقٌ بِ خَلَقَ وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ. وَالْبَلْوُ: الِابْتِلَاءُ، أَيِ اخْتِبَارُ شَيْءٍ لِتَحْصِيلِ عِلْمٍ بِأَحْوَالِهِ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنْ ظُهُورِ آثَارٍ خَلْقِهِ

الصفحة 7