كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 12)

وغِيضَ الْماءُ مُغْنٍ عَنِ التَّعَرُّضِ إِلَى كَوْنِ السَّمَاءِ أَقْلَعَتْ وَالْأَرْضِ بَلَعَتْ، وَبُنِيَ فِعْلُ غِيضَ الْماءُ لِلنَّائِبِ لِمِثْلِ مَا بُنِيَ فُعِلَ وَقِيلَ بِاعْتِبَارِ سَبَبِ الْغَيْضِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا فَاعِلَ لَهُ حَقِيقَةً لِأَن حُصُوله حُصُول مُسَبَّبٌ عَنْ سَبَبٍ وَالْغَيْضُ: نُضُوبُهُ فِي الْأَرْضِ.
وَالْمُرَادُ: الْمَاءُ الَّذِي نَشَأَ بِالطُّوفَانِ زَائِدًا عَلَى بِحَارِ الْأَرْضِ وَأَوْدِيَتِهَا. وَقَضَاءُ الْأَمْرِ:
إِتْمَامُهُ. وَبِنَاءُ الْفِعْلِ لِلنَّائِبِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ فَاعِلَهُ لَيْسَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَالِاسْتِوَاءُ: الِاسْتِقْرَارُ.
وَالْجُودِيُّ: اسْمُ جَبَلٍ بَيْنَ الْعِرَاقِ وَأَرْمِينَا، يُقَالُ لَهُ الْيَوْمَ (أَرَارَاطُ) . وَحِكْمَةُ إِرْسَائِهَا عَلَى جَبَلٍ أَنَّ جَانِبَ الْجَبَلِ أَمْكَنُ لِاسْتِقْرَارِ السَّفِينَةِ عِنْدَ نُزُولِ الرَّاكِبِينَ لأنّها تخف عِنْد مَا يَنْزِلُ مُعْظَمُهُمْ فَإِذَا مَالَتِ اسْتَنَدَتْ إِلَى جَانِبِ الْجَبَلِ.
وبُعْداً مَصْدَرُ (بَعُدَ) عَلَى مِثَالِ كَرُمَ وَفَرِحَ، مَنْصُوبُ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ. وَهُوَ نَائِبٌ عَنِ الْفِعْلِ كَمَا هُوَ الِاسْتِعْمَالُ فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ، كَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِثْلَ: تَبًّا لَهُ، وَسُحْقًا، وَسُقْيًا، وَرَعْيًا، وَشُكْرًا. وَالْبُعْدُ كِنَايَةٌ عَنِ التَّحْقِيرِ بِلَازِمِ كَرَاهِيَةِ الشَّيْءِ، فَلِذَلِكَ يُقَالُ: بَعُدَ أَوْ نَحْوُهُ لِمَنْ فُقِدَ، إِذَا كَانَ مَكْرُوهًا كَمَا هُنَا. وَيُقَالُ: نَفْيُ الْبُعْدِ لِلْمَرْغُوبِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ بَعُدَ، فَيُقَالُ لِلْمَيِّتِ الْعَزِيزِ كَمَا قَالَ مَالِكُ بْنُ الرَّيْبِ:
يَقُولُونَ لَا تَبْعُدْ وَهُمْ يَدْفِنُونِي ... وَأَيْنَ مَكَانُ الْبُعْدِ إِلَّا مَكَانِيَا
وَقَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْأَحْجَمِ:
إِخْوَتِي لَا تَبْعُدُوا أَبَدًا ... وَبَلَى وَاللَّهِ قَدْ بَعُدُوا
وَالْأَكْثَرُ أَنْ يُقَالَ (بَعِدَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْبُعْدِ الْمَجَازِيِّ بِمَعْنَى الْهَلَاك وَالْمَوْت، و (بعد) الْمَضْمُومُ الْعَيْنِ فِي الْبُعْدِ الْحَقِيقِيِّ.
وَالْقَوْمُ الظَّالِمُونَ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَغَرِقُوا. وَالْقَائِلُ (بُعْدًا) قَدْ يَكُونُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ جَرْيًا
عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَهُ

الصفحة 79