كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 13)

مَعَنَا أخونا. فَتعين أَنه حَكَوُا الْقِصَّةَ لِأَبِيهِمْ مُفَصَّلَةً وَاخْتَصَرَهَا الْقُرْآن لظُهُور المرد. وَالْمَعْنَى: إِنْ أَرْسَلْتَهُ مَعَنَا نَرْحَلْ لِلِاكْتِيَالِ وَنَطْلُبْهُ. وَإِطْلَاقُ الْمَنْعِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَجَازٌ، لِأَنَّهُمْ أُنْذِرُوا بِالْحِرْمَانِ فَصَارَ طَلَبُهُمْ مَمْنُوعًا مِنْهُمْ لِأَنَّ طَلَبَهُ عَبَثٌ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ نَكْتَلْ بِنُونِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارِكِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ- بِتَحْتِيَّةٍ عِوَضَ النُّونِ- عَلَى أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى أَخانا أَيْ يَكْتَلْ مَعَنَا.
وَجُمْلَةُ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَأَرْسِلْ. وَأَكَّدُوا حِفْظَهُ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَبِحَرْفِ التَّوْكِيدِ.
وَجَوَابُ أَبِيهِمْ كَلَامٌ مُوَجَّهٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: إِنِّي آمَنُكُمْ عَلَيْهِ كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَاذَا أَفَادَ ائْتِمَانُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ حَتَّى آمَنَكُمْ عَلَيْهِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ فِيهِ مَعْنَى النَّفْيِ، فَهُوَ يَسْتَفْهِمُ عَنْ وَجْهِ التَّأْكِيدِ فِي قَوْلِهِمْ: وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ. وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْجُمْلَةِ عَلَى احْتِمَالَيْهَا هُوَ التَّفْرِيعُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً [سُورَة يُوسُف: 64] ، أَيْ خَيْرٌ حِفْظًا مِنْكُمْ، فَإِنْ حَفِظَهُ اللَّهُ سَلِمَ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهُ لَمْ يَسْلَمْ كَمَا لَمْ يَسْلَمْ أَخُوهُ مِنْ قَبْلُ حِينَ أَمِنْتُكُمْ عَلَيْهِ.
وَهُمْ قَدِ اقْتَنَعُوا بِجَوَابِهِ وَعَلِمُوا مِنْهُ أَنَّهُ مُرْسِلٌ مَعَهُمْ أَخَاهُمْ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُرَاجِعُوهُ فِي شَأْنه.
وحافِظاً مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ حافِظاً عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ وَهِيَ حَال لَازِمَة.

الصفحة 16