كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 13)

التَّسْمِيَةِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ النَّهْيُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ: أَنْ لَا يَقُولَ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ الْمُخَاطَبِ بِهِ اللَّهُ صَرَاحَةً. وَجُمْلَةُ إِنْ شاءَ اللَّهُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ ادْخُلُوا وَالْحَالِ مِنْ ضَمِيرِهَا.
وَالْعَرْشُ: سَرِيرٌ لِلْقُعُودِ فَيَكُونُ مُرْتَفِعًا عَلَى سُوقٍ، وَفِيهِ سَعَةٌ تُمَكِّنُ الْجَالِسَ مِنَ الِاتِّكَاءِ. وَالسُّجُودُ: وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ تَعْظِيمًا لِلذَّاتِ أَوْ لِصُورَتِهَا أَوْ لِذِكْرِهَا، قَالَ الْأَعْشَى:
فَلَمَّا أَتَانَا بُعَيْدَ الْكَرَى ... سَجَدْنَا لَهُ ورفعنا الْعمار (¬1)
وَفِعْلُهُ قَاصِرٌ فَيُعَدَّى إِلَى مَفْعُولِهِ بِاللَّامِ كَمَا فِي الْآيَةِ.
وَالْخُرُورُ: الْهُوِيُّ وَالسُّقُوطُ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى الْأَرْضِ.
وَالَّذِينَ خَرُّوا سُجَّدًا هُمْ أَبَوَاهُ وَإِخْوَتُهُ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيايَ وَهُمْ أَحَدَ عشر وهم: رأوبين، وشمعون، وَلَاوِي، وَيَهُوذَا، وَيَسَاكِرُ، وَرِبُولُونُ، وَجَادٌ، وَأَشِيرُ،
وَدَانِ، وَنَفْتَالِي، وَبِنْيَامِينُ. والشَّمْسَ، والْقَمَرَ، تَعْبِيرُهُمَا أَبَوَاهُ يَعْقُوبُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَرَاحِيلُ.
وَكَانَ السُّجُودُ تَحِيَّةَ الْمُلُوكِ وَأَضْرَابِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مَمْنُوعًا فِي الشَّرَائِعِ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ الْإِسْلَامُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى مُسَاوَاةِ النَّاسِ فِي الْعُبُودِيَّةِ وَالْمَخْلُوقِيَّةِ. وَلِذَلِكَ فَلَا يُعَدُّ قَبُولُهُ السُّجُودَ مِنْ أَبِيهِ عُقُوقًا لِأَنَّهُ لَا غَضَاضَةَ عَلَيْهِمَا مِنْهُ إِذْ هُوَ عَادَتُهُمْ.
وَالْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ وَخَرُّوا حَالِيَّةً لِأَنَّ التَّحِيَّةَ كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ، عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لَا تُفِيدُ تَرْتِيبًا.
وسُجَّداً حَالٌ مُبَيِّنَةٌ لِأَنَّ الْخُرُورَ يَقَعُ بِكَيْفِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ.
¬_________
(¬1) الْعمار- بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم- هُوَ الريحان أَو الآس كَانُوا يحملونه عِنْد تَحِيَّة الْمُلُوك قَالَ النَّابِغَة:
يحيون بالريحان يَوْم السباسب

الصفحة 56