كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 14)

وَلَمَّا كَانَ نُطْقُ الْأَصْنَامِ غَيْرَ جَارٍ عَلَى الْمُتَعَارَفِ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْإِلْقَاءِ الْمُؤْذِنِ بِكَوْنِ الْقَوْلِ أَجْرَاهُ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِ الْأَصْنَامِ مِنْ دُونِ أَنْ يَكُونُوا نَاطِقِينَ فَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْهَا.
وَإِسْنَادُ الْإِلْقَاءِ إِلَى ضَمِيرِ الشُّرَكَاءِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّهَا مَظْهَرُهُ.
وَأَجْرَى عَلَيْهِمْ ضَمِيرَ جَمْعِ الْعُقَلَاءِ فِي فِعْلِ «أَلْقَوْا» مُشَاكَلَةً لِاسْمِ الْإِشَارَةِ وَاسْمِ الْمَوْصُولِ لِلْعُقَلَاءِ.
وَوَصْفُهُمْ بِالْكَذِبِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُهُمْ أَنَّ أُولَئِكَ آلِهَةٌ يُدْعَوْنَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَلَى نَحْوِ مَا
وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ: «فَيُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ» .
وَأَمَّا صَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَهُمْ صَادِقُونَ فِيهِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ بَدَلٌ مِنَ الْقَوْلَ. وَأُعِيدَ فِعْلُ أَلْقَوْا فِي قَوْلِهِ: وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ لِاخْتِلَافِ فَاعِلِ الْإِلْقَاءِ، فَضَمِيرُ الْقَوْلِ الثَّانِي عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا.
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ فِعْلَ أَلْقَوُا الثَّانِيَ مُمَاثِلًا لِفِعْلِ «أَلْقَوْا» السَّابِقِ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْإِلْقَاءَ تَمْثِيلًا لِحَالِهِمْ بِحَالِ الْمُحَارِبِ إِذَا غُلِبَ إِذْ يُلْقِي سِلَاحَهُ بَيْنَ يَدَيْ غَالِبِهِ، فَفِي قَوْلِهِ:
أَلْقَوْا مَكْنِيَّةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ مَعَ مَا فِي لَفْظِ أَلْقَوْا مِنَ الْمُشَاكَلَةِ.
والسَّلَمَ- بِفَتْحِ اللَّامِ-: الِاسْتِسْلَامُ، أَيِ الطَّاعَةُ وَتَرْكُ الْعِنَادِ.
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ أَيْ غَابَ عَنْهُمْ وَزَايَلَهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الِاخْتِلَافَاتِ لِلْأَصْنَامِ مِنْ أَنَّهَا تَسْمَعُ لَهُمْ وَنَحْو ذَلِك.

الصفحة 248