كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 14)

فِطْرِيًّا لِأَنَّ بَعْضَهَا مُفْسِدٌ لِتَوَلُّدِ الْغِذَاءِ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَضَرَّةِ. وَتِلْكَ هِيَ الْمَيْتَةُ، وَالدَّمُ، وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَبَعْضُهَا مُنَافٍ لِلْفِطْرَةِ وَهُوَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِشُكْرِ الْمُنْعِمِ بِهَا، فَاللَّهُ خَلَقَ الْأَنْعَامَ، وَالْمُشْرِكُونَ يَذْكُرُونَ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ عَلَيْهَا.
وَلِإِفَادَةِ بَيَانِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ جِيءَ فِيهَا بِأَدَاةِ الْحَصْرِ، أَيْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْأَرْبَعَ الْمَذْكُورَاتِ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهَا طَيِّبًا.
وَهَذَا بِالنَّظَرِ إِلَى الطِّيبِ وَالْخُبْثِ بِالذَّاتِ. وَقَدْ يَعْرِضُ الْخُبْثُ لِبَعْضِ الْمَطْعُومَاتِ عَرْضًا.
وَمُنَاسَبَةُ هَذَا التَّحْدِيدِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا بِأَرْضِ غُرْبَةٍ وَقَدْ يُؤْكَلُ فِيهَا لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ بِبَلَدٍ يُؤْكَلُ فِيهِ الدَّمُ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ. وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَة والأنعام.
[116، 117]

[سُورَة النَّحْل (16) : الْآيَات 116 إِلَى 117]
وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (117)
عَادَ الْخِطَابُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ. فَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً [سُورَة النَّحْل: 112] الْآيَةَ.
وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِتَحْذِيرِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَرِيبِي عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، فَرُبَّمَا بَقِيَتْ فِي نُفُوسِ بَعْضِهِمْ كَرَاهِيَةُ أَكْلِ مَا كَانُوا يَتَعَفَّفُونَ عَنْ أَكْلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

الصفحة 310