كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 16)

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ لَنُحَرِّقَنَّهُ- بِضَمِّ النُّونِ الْأُولَى وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مُشَدَّدَةً-.
وَالتَّحْرِيقُ: الْإِحْرَاقُ الشَّدِيدُ، أَيْ لَنُحَرِّقَنَّهُ إِحْرَاقًا لَا يَدَعُ لَهُ شَكْلًا. وَأَرَادَ بِهِ أَنْ يُذِيبَهُ بِالنَّارِ
حَتَّى يَفْسُدَ شَكْلُهُ وَيَصِيرَ قِطَعًا.
وَقَرَأَ ابْنُ جَمَّازٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ لَنُحَرِّقَنَّهُ- بِضَمِّ النُّونِ الْأُولَى وَبِإِسْكَانِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ-. وَقَرَأَهُ ابْنُ وَرْدَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ- بِفَتْحِ النُّونِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ- لِأَنَّهُ يُقَالُ: أَحْرَقَهُ وَحَرَّقَهُ.
وَالنَّسْفُ: تَفْرِيقٌ وَإِذْرَاءٌ لِأَجْزَاءِ شَيْءٍ صَلْبٍ كَالْبِنَاءِ وَالتُّرَابِ.
وَأَرَادَ بِالْيَمِّ الْبَحْرَ الْأَحْمَرَ الْمُسَمَّى بَحْرَ الْقُلْزُمِ، وَالْمُسَمَّى فِي التَّوْرَاةِ: بَحْرَ سُوفٍ، وَكَانُوا نَازِلِينَ حِينَئِذٍ عَلَى سَاحِلِهِ فِي سَفْحِ الطُّورِ.
وَ (ثُمَّ) لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ، لِأَنَّ نَسْفَ الْعِجْلِ أَشَدُّ فِي إِعْدَامِهِ مِنْ تَحْرِيقِهِ وَأَذَلُّ لَهُ.
وَأَكَّدَ «نَنْسِفَنَّهُ» بِالْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَا يَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَخْشَى غَضَبَهُ كَمَا يَزْعُمُونَ أنّه إِلَه.
[98]

[سُورَة طه (20) : آيَة 98]
إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ حِكَايَةِ كَلَامِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَمَوْقِعُهَا مَوْقِعُ التَّذْيِيلِ لِوَعْظِهِ، وَقَدِ الْتَفَتَ مِنْ خِطَابِ السَّامِرِيِّ إِلَى خِطَابِ الْأُمَّةِ إِعْرَاضًا عَنْ خِطَابِهِ تَحْقِيرًا لَهُ، وَقَصْدًا لِتَنْبِيهِهِمْ عَلَى خَطَئِهِمْ، وَتَعْلِيمِهِمْ صِفَاتَ الْإِلَهِ الْحَقِّ، وَاقْتَصَرَ مِنْهَا عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَعُمُومِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الْوَحْدَانِيَّةَ تَجْمَعُ جَمِيعَ الصِّفَاتِ، كَمَا قُرِّرَ فِي دَلَالَةِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ عَلَيْهَا فِي كُتُبِ عِلْمِ الْكَلَامِ.

الصفحة 300