كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 16)

الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ وُجُوهُهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات: 39] أَيْ لَهُمْ. وَأَمَّا وُجُوهُ أَهْلِ الطَّاعَاتِ فَهِيَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ التَّعْرِيفُ فِي الْوُجُوهُ عَلَى الْعُمُومِ، وَيُرَادُ بِ عَنَتِ خَضَعَتْ، أَيْ خَضَعَ جَمِيعُ النَّاسِ إِجْلَالًا لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالْحَيُّ: الَّذِي ثَبُتَ لَهُ وَصَفُ الْحَيَاةِ، وَهِيَ كَيْفِيَّةٌ حَاصِلَةٌ لِأَرْقَى الْمَوْجُودَاتِ، وَهِيَ قُوَّةٌ لِلْمَوْجُودِ بِهَا بَقَاءُ ذَاتِهِ وَحُصُولُ إِدْرَاكِهِ أَبَدًا أَوْ إِلَى أَمَدٍ مَا. وَالْحَيَاةُ الْحَقِيقِيَّةُ هِيَ حَيَاةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا ذَاتِيَّةٌ غَيْرُ مَسْبُوقَةٍ بِضِدِّهَا وَلَا مُنْتَهِيَةٍ.
وَالْقَيُّومُ: الْقَائِمُ بِتَدْبِيرِ النَّاسِ، مُبَالَغَةً فِي الْقَيِّمِ، أَيِ الَّذِي لَا يَفُوتُهُ تَدْبِيرُ شَيْءٍ مِنَ الْأُمُورِ. وَتَقَدَّمَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [255] .
وَجُمْلَةُ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً إِمَّا مُعْتَرِضَةٌ فِي آخِرِ الْكَلَامِ تُفِيدُ التَّعْلِيلَ أَنْ جُعِلَ التَّعْرِيفُ فِي الْوُجُوهُ عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ وُجُوهُ الْمُجْرِمِينَ. وَالْمَعْنَى: إِذْ قَدْ خَابَ كُلُّ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا وَإِمَّا احْتِرَاسٌ لِبَيَانِ اخْتِلَافِ عَاقِبَةِ عَنَاءِ الْوُجُوهِ، فَمَنْ حَمَلَ ظُلْمًا فَقَدْ خَابَ يَوْمَئِذٍ وَاسْتَمَرَّ عَنَاؤُهُ، وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا عَادَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْخَوْفُ بِالْأَمْنِ وَالْفَرَحِ. وَالظُّلْمُ: ظُلْمُ النَّفْسِ.
وَجُمْلَةُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ إِلَخْ: شَرْطِيَّةٌ مُفِيدَةُ قَسِيمَ مَضْمُونِ جُمْلَةِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً. وَصِيغَ هَذَا الْقَسِيمُ فِي صِيغَةِ الشَّرْطِ تَحْقِيقًا لِلْوَعْدِ، وفَلا يَخافُ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَاقْتِرَانُهُ بِالْفَاءِ عَلَامَةٌ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِمُوَالَاةِ أَدَاةِ الشَّرْطِ، فَتَعَيَّنَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ (لَا) الَّتِي فِيهَا نَاهِيَةً، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ عَلَى نِيَّةِ الِاسْتِئْنَافِ. وَالتَّقْدِيرُ: فَهُوَ لَا يَخَافُ.

الصفحة 312