كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 16)

ذَلِكَ لِحِكَمٍ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى، مِنْهَا إِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 55، 56] .
وَذِكْرُ الْأَزْوَاجُ هُنَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْعَائِلَاتِ وَالْبُيُوتِ، أَيْ إِلَى مَا مَتَّعْنَاهُمْ وَأَزْوَاجَهُمْ بِهِ مِنَ الْمُتَعِ فَكُلُّ زَوْجٍ مُمَتَّعٌ بِمُتْعَةٍ فِي زَوْجِهِ مِمَّا يَحْسُنُ فِي نَظَرِ كُلٍّ مِنْ مَحَاسِنِ قَرِينِهِ وَمَا يُقَارِنُ ذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنَ مُشْتَرِكَةٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ كَالْبَنِينَ وَالرِّيَاشِ وَالْمَنَازِلِ وَالْخَدَمِ.
وَمَدُّ الْعَيْنَيْنِ: مُسْتَعْمَلٌ فِي إِطَالَةِ النَّظَرِ لِلتَّعْجِيبِ لَا لِلْإِعْجَابِ، شُبِّهَ ذَلِكَ بِمَدِّ الْيَدِ لِتَنَاوُلِ شَيْءٍ مُشْتَهًى. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي آخِرِ سُورَةِ الْحِجْرِ.
وَالزَّهْرَةُ- بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْهَاءِ-: وَاحِدَةُ الزَّهْرِ، وَهُوَ نَوْرُ الشَّجَرِ وَالنَّبَاتِ.
وَتُسْتَعَارُ لِلزِّينَةِ الْمُعْجِبَةِ الْمُبْهِتَةِ، لِأَنَّ مَنْظَرَ الزَّهْرَةِ يُزَيِّنُ النَّبَاتَ وَيُعْجِبُ النَّاظِرَ، فَزَهْرَةُ الْحَيَاةِ: زِينَةُ الْحَيَاةِ، أَيْ زِينَةُ أُمُورِ الْحَيَاةِ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْأَنْعَامِ وَالْجَنَانِ وَالنِّسَاءِ وَالْبَنِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها [الْقَصَص: 60] .
وَانْتُصِبَ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا عَلَى الْحَالِ مِنَ اسْمِ الْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ مَا مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ زَهْرَةَ- بِسُكُونِ الْهَاءِ-. وَقَرَأَهُ يَعْقُوبُ- بِفَتْحِ الْهَاءِ- وَهِيَ لُغَةٌ.
لِنَفْتِنَهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِ مَتَّعْنا. وَ (فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ، أَيْ لِيَحْصُلَ فِتْنَتُهُمْ فِي خِلَالِهِ، فَفِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَتَاعِ فِتْنَةٌ مُنَاسِبَةٌ لَهُ. وَاللَّامُ لِلْعِلَّةِ الْمَجَازِيَّةِ الَّتِي هِيَ عَاقِبَةُ الشَّيْءِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَص: 68] .

الصفحة 340