كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 16)

وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعُمُومِ، أَيْ لَا تَكُونُ الْعَاقِبَةُ إِلَّا لِلتَّقْوَى. فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ أُرْسِلَتْ مجْرى الْمثل.
[133]

[سُورَة طه (20) : آيَة 133]
وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى (133)
رُجُوعٌ إِلَى التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْقُرْآنِ، وَبِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ. وَهُوَ الْغَرَضُ الَّذِي انْتُقِلَ مِنْهُ إِلَى أَغْرَاضٍ مُنَاسِبَةٍ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً [طه: 113] .
وَالْمُنَاسَبَةُ فِي الِانْتِقَالِ هُوَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ [طه: 130] فَجِيءَ هُنَا بِشِنَعٍ مِنْ أَقْوَالِهِمُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ فَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ. فَمِنْ أَقْوَالِهِمُ الَّتِي يَقْصِدُونَ مِنْهَا التَّعَنُّتَ وَالْمُكَابَرَةَ أَنْ قَالُوا: لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ فَنُؤْمِنُ بِرِسَالَتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ [الْأَنْبِيَاء: 5] .
وَلَوْلَا حَرْفُ تَحْضِيضٍ. وَجُمْلَةُ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولى فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْوَاوُ لِلْحَالِ، أَيْ قَالُوا ذَلِكَ فِي حَالِ أَنَّهُمْ أَتَتْهُمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى. فَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ، أُنْكِرَ بِهِ نَفْيُ إِتْيَانِ آيَةٍ لَهُمُ الَّذِي اقْتَضَاهُ تَحْضِيضُهُمْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِآيَةٍ.
وَالْبَيِّنَةُ: الْحُجَّةُ.
والصُّحُفِ الْأُولى: كُتُبُ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى [الْأَعْلَى: 18- 19] .

الصفحة 344