كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 16)

[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 77]
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (77)
نَظْمُ قَوْلِهِ فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها كَنَظْمِ نَظِيرَيْهِ السَّابِقَيْنِ.
وَالِاسْتِطْعَامُ: طَلَبُ الطَّعَامِ. وَمَوْقِعُ جُمْلَةِ اسْتَطْعَما أَهْلَها كَمَوْقِعِ جُمْلَةِ (خَرَقَهَا) وَجُمْلَةِ (فَقَتَلَهُ) ، فَهُوَ مُتَعَلِّقُ (إِذَا) . وَإِظْهَارُ لَفْظِ أَهْلَها دُونَ الْإِتْيَانِ بِضَمِيرِهِمْ بِأَنْ يُقَالَ:
اسْتَطْعَمَاهُمْ، لِزِيَادَةِ التَّصْرِيحِ، تَشْنِيعًا بِهِمْ فِي لُؤْمِهِمْ، إِذْ أَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا. وَذَلِكَ لُؤْمٌ، لِأَنَّ الضِّيَافَةَ كَانَتْ شَائِعَةً فِي الْأُمَمِ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ مِنَ الْمُوَاسَاةِ الْمُتَّبَعَةِ عِنْدَ النَّاسِ. وَيَقُومُ بِهَا مَنْ يُنْتَدَبُ إِلَيْهَا مِمَّنْ يَمُرُّ عَلَيْهِمْ عَابِرُ السَّبِيلِ وَيَسْأَلُهُمُ الضِّيَافَةَ، أَوْ مَنْ أَعَدَّ نَفْسَهُ لِذَلِكَ مِنْ كِرَامِ الْقَبِيلَةِ فَإِبَايَةُ أَهْلِ قَرْيَةٍ كُلِّهِمْ مِنَ الْإِضَافَةِ لُؤْمٌ لِتِلْكَ الْقَرْيَةِ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الصَّفَدِيُّ عَلَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيِّ سُؤَالًا عَنْ نُكْتَةِ هَذَا الْإِظْهَارِ فِي أَبْيَاتٍ. وَأَجَابَهُ السُّبْكِيُّ جَوَابًا طَوِيلًا نَثْرًا وَنَظْمًا بِمَا لَا يُقْنِعُ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْآلُوسِيُّ.
وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ طَلَبِ الطَّعَامِ لِعَابِرِ السَّبِيلِ لِأَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَحَكَاهُ الْقُرْآنُ وَلَمْ يَرِدْ مَا يَنْسَخُهُ.
وَدَلَّ لَوْمُ مُوسَى الْخَضِرَ، عَلَى أَنْ لَمْ يَأْخُذْ أَجْرَ إِقَامَةِ الْحَائِطِ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مُقَابَلَةَ حِرْمَانِهِمْ لِحَقِّ الضِّيَافَةِ بِحِرْمَانِهِمْ مِنْ إِقَامَةِ الْجِدَارِ فِي قَرْيَتِهِمْ.

الصفحة 7