كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 17)
لَا يُعَدُّ غَافِلًا عَنْهُ، أَيْ أَنَّهُمْ لَمَّا جَاءَتْهُمْ دَعْوَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِيمَانِ وَإِنْذَارِهِمْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ اسْتَمَرُّوا عَلَى غَفْلَتِهِمْ عَنِ الْحِسَابِ بِسَبَبِ إِعْرَاضِهِمْ عَنْ دَلَائِلِ التَّذْكِيرِ بِهِ. فَكَانَتِ الْغَفْلَةُ عَنِ الْحِسَابِ مِنْهُمْ غَيْرَ مَقْلُوعَةٍ مِنْ نُفُوسِهِمْ بِسَبَبِ تَعْطِيلِهِمْ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَقْلَعَ الْغَفْلَةَ عَنْهُمْ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الدَّلَائِلِ الْمُثْبِتَةِ لِلْبَعْثِ.
[2، 3]
[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : الْآيَات 2 الى 3]
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)
مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ.
جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الْأَنْبِيَاء: 1] لِبَيَانِ تَمَكُّنِ الْغَفْلَةِ مِنْهُمْ وَإِعْرَاضِهِمْ، بِأَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا فِي الْقُرْآنِ تَذْكِيرًا لَهُمْ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ اشْتَغَلُوا عَنْهُ بِاللَّعِبِ
وَاللَّهْوِ فَلَمْ يَفْقَهُوا مَعَانِيَهُ وَكَانَ حَظُّهُمْ مِنْهُ سَمَاعَ أَلْفَاظِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ [الْبَقَرَةِ: 171] .
وَالذِّكْرُ: الْقُرْآنُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الذِّكْرِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ لِإِفَادَةِ قُوَّةِ وَصْفِهِ بِالتَّذْكِيرِ.
وَالْمُحْدَثُ: الْجَدِيدُ. أَيِ الْجَدِيدُ نُزُولُهُ مُتَكَرِّرًا، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِالذِّكْرِ كُلَّمَا جَاءَهُمْ بِحَيْثُ لَا يَزَالُونَ بِحَاجَةٍ إِلَى إِعَادَةِ التَّذْكِيرِ وَإِحْدَاثِهِ مَعَ قَطْعِ مَعْذِرَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانُوا سَمِعُوا ذِكْرًا وَاحِدًا فَلم يعبأوا بِهِ لَانْتَحَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ عُذْرًا كَانُوا سَاعَتَئِذٍ فِي غَفْلَةٍ، فَلَمَّا تَكَرَّرَ حَدَثَانُ إِتْيَانِهِ تَبَيَّنَ لِكُلِّ مُنْصِفٍ أَنَّهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْهُ صَدًّا.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فِي سُورَةِ [الشُّعَرَاءِ: 5] ، وَلَيْسَ المُرَاد بمحدث مَا قَابَلَ الْقَدِيمَ فِي اصْطِلَاحِ عِلْمِ الْكَلَامِ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ لِسِيَاقِ النَّظْمِ.
الصفحة 11
359