كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 17)

خَبَرِهَا جُمْلَةً وَهُوَ تَوْكِيدٌ حَسَنٌ بِسَبَبِ طُولِ الْفَصْلِ. وَتَقَدَّمَ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا فِي [سُورَةِ الْكَهْفِ: 30] . وَإِذَا لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ فَالتَّوْكِيدُ بِإِعَادَةِ (إِنَّ) أَقَلُّ حُسْنًا كَقَوْلِ جَرِيرٍ:
إِنَّ الْخَلِيفَةَ إِنَّ اللَّهَ سَرْبَلَهُ ... سِرْبَالَ مَلَكٍ بِهِ تُزْجَى الْخَوَاتِيمُ
وَلَا يَحْسُنُ إِذَا كَانَ مُبْتَدَأُ الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ خَبَرًا ضَمِيرَ اسْمِ (إِنَّ) الْأُولَى كَمَا تَقُولُ: إِنَّ زَيْدًا إِنَّهُ قَائِم، بل لَا بُد مِنَ الِاخْتِلَافِ لِيَكُونَ الْمُؤَكَّدُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فَتُقْبَلُ إِعَادَةُ الْمُؤَكَّدِ وَإِنْ كَانَ الْمُؤَكَّدُ الْأَوَّلُ كَافِيًا.
وَالْفَصْلُ: الْحُكْمُ، أَيْ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ تَصْحِيحِ الدِّيَانَةِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِلْإِعْلَامِ بِإِحَاطَةِ عِلْمِ اللَّهِ بِأَحْوَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ وَالصَّحِيحُ من أَقْوَالهم.
[18]

[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 18]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشاءُ (18)
جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِابْتِدَاءِ اسْتِدْلَالٍ عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ. وَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِمَعْنى قَوْله يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَما لَا يَنْفَعُهُ إِلَى قَوْلِهِ: لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ [الْحَج: 12، 13] ارْتِبَاطَ الدَّلِيلِ بِالْمَطْلُوبِ فَإِنَّ

الصفحة 225