كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 17)

يَاءٍ فِي الْوَقْفِ وَأَثْبَتَهَا فِي الْوَصْلِ. وَمَحْمِلُ كِتَابَتِهِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِدُونِ يَاءٍ أَنَّهُ رُوعِيَ فِيهِ التَّخْفِيفُ فِي حَالَةِ الْوَقْفِ لِأَنَّ شَأْنَ الرَّسْمِ أَنْ يُرَاعَى فِيهِ حَالَةُ الْوَقْفِ.
وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِدُونِ يَاءٍ فِي الْحَالَيْنِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ. وَالْوَجْهُ فِيهِ قَصْدُ التَّخْفِيفِ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ.
وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُجَّةٌ لِحُكْمِ امْتِلَاكِ دُورِ مَكَّةَ إِثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا لِأَنَّ سِيَاقَهَا خَاصٌّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دُونَ غَيْرِهِ. وَيُلْحَقُ بِهِ مَا هُوَ مِنْ تَمَامِ مَنَاسِكِهِ: كَالْمَسْعَى، وَالْمَوْقِفِ، وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَالْجِمَارِ. وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَذْكُرُوا مَسْأَلَةَ امْتِلَاكِ دُورِ مَكَّةَ عِنْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِطْرَادِ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ النَّاسَ سَوَاءٌ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا يَتْبَعُهُ إِلَّا مَا مَنَعَتْهُ الشَّرِيعَةُ كَطَوَافِ الْحَائِضِ بِالْكَعْبَةِ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ امْتِلَاكِ دُورِ مَكَّةَ فَلِلْفُقَهَاءِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْقَادِمَ إِلَى مَكَّةَ لِلْحَجِّ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ دِيَارِهَا وَعَلَى رَبِّ الْمَنْزِلِ أَنْ يُؤْوِيَهُ. وَكَانَتْ دُورُ مَكَّةَ تُدْعَى السَّوَائِبَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: دُورُ مَكَّةَ مِلْكٌ لِأَهْلِهَا، وَلَهُم الِامْتِنَاع عَن إِسْكَانِ غَيْرِهِمْ، وَلَهُمْ إِكْرَاؤُهَا لِلنَّاسِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْمُوَاسَاةُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلُوا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ
عُمَرُ فَهُوَ مِنَ الْمُوَاسَاةِ. وَقَدِ اشْتَرَى عُمَرُ دَارَ صَفْوَانَ بْنِ أُميَّة وَجعلهَا سجنا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: دُورُ مَكَّةَ لَا تُمْلَكُ وَلَيْسَ لِأَهْلِهَا أَنْ يُكْرُوهَا. وَقَدْ ظُنَّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا

الصفحة 238