كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 17)

لَكَ، أَيْ شَكَرَتْكَ لِأَجْلِكَ. وَفِي ذِكْرِ اللَّامِ فِي مِثْلِهِ ضَرْبٌ مِنَ الْعِنَايَةِ وَالتَّكْرِمَةِ.
والْبَيْتِ مَعْرُوفٌ مَعْهُودٌ عِنْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَلِذَلِكَ عُرِّفَ بِلَامِ الْعَهْدِ وَلَوْلَا هَذِهِ النُّكْتَةُ لَكَانَ ذِكْرُ مَكانَ حَشْوًا. وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ مَأْوًى لِلدِّينِ، أَيْ مَعْهَدًا لِإِقَامَةِ شَعَائِرِ الدِّينِ.
فَكَانَ يَتَضَمَّنُ بِوَجْهِ الْإِجْمَالِ أَنه يترقب تَعْلِيما بِالدِّينِ فَلِذَلِكَ أُعْقِبَ بِحِرَفِ (أَنْ) التَّفْسِيرِيَّةِ الَّتِي تَقَعُ بَعْدَ جُمْلَةٍ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ. وَكَانَ أَصْلُ الدِّينِ هُوَ نَفْيَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْبَيْتَ جُعِلَ مَعْلَمًا لِلتَّوْحِيدِ بِحَيْثُ يُشْتَرَطُ عَلَى الدَّاخِلِ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُشْرِكًا، فَكَانَتِ الْكَعْبَةُ لِذَلِكَ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، لِإِعْلَانِ التَّوْحِيدِ كَمَا بَيَّنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِي [سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: 96] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ مُؤْذِنٌ بِكَلَامٍ مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ. وَالْمَعْنَى: وَأَمَرْنَاهُ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَبَعْدَ أَنْ بَنَاهُ قُلْنَا لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ.
وَإِضَافَةُ الْبَيْتِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ تَشْرِيفٌ لِلْبَيْتِ. وَالتَّطْهِيرُ: تَنْزِيهُهُ عَنْ كُلِّ خَبِيثٍ مَعْنًى كَالشِّرْكِ وَالْفَوَاحِشِ وَظُلْمِ النَّاسِ وَبَثِّ الْخِصَالِ الذَّمِيمَةِ، وَحِسًّا مِنَ الْأَقْذَارِ وَنَحْوِهَا، أَيْ أَعْدِدْهُ طَاهِرًا لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ فِيهِ.
وَالطَّوَافُ: الْمَشْيُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ عِبَادَةٌ قَدِيمَةٌ مِنْ زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ قَرَّرَهَا الْإِسْلَامُ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطُوفُونَ حَوْلَ أَصْنَامِهِمْ كَمَا يَطُوفُونَ بِالْكَعْبَةِ.

الصفحة 241