كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 17)

وَجُمْلَةُ وَمَنْ يُعَظِّمْ إِلَخْ ... مُعْتَرِضَةٌ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ [الْحَج: 26] عَطْفَ الْغَرَضِ عَلَى الْغَرَضِ. وَهُوَ انْتِقَالٌ إِلَى بَيَانِ مَا يَجِبُ الْحِفَاظُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ وَالتَّنْبِيهِ إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ بُنِيَ عَلَى أَسَاسِهَا.
وَضَمِيرُ فَهُوَ عَائِدٌ إِلَى التَّعْظِيمِ الْمَأْخُوذِ مَنْ فِعْلِ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ.
وَالْكَلَامُ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُسْلِمِينَ تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْحُرُمَاتِ لَمْ يُعَطِّلِ الْإِسْلَامُ حُرْمَتَهَا، فَيَكُونُ الِانْتِقَالُ مِنْ غَرَضٍ إِلَى غَرَضٍ وَمِنْ مُخَاطَبٍ إِلَى مُخَاطَبٍ آخَرَ. فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَعْتَمِرُونَ وَيَحُجُّونَ قَبْلَ إِيجَابِ الْحَجِّ عَلَيْهِمْ، أَيْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ.
وَالْحُرُمَاتُ: جَمْعُ حُرُمَةٍ- بِضَمَّتَيْنِ-: وَهِيَ مَا يَجِبُ احْتِرَامُهُ.
وَالِاحْتِرَامُ: اعْتِبَارُ الشَّيْءِ ذَا حَرَمٍ، كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الدُّخُولِ فِيهِ. أَيْ عَدَمِ انْتِهَاكِهِ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ فِي شَأْنِهِ، وَالْحُرُمَاتُ يَشْمَلُ كُلَّ مَا أَوْصَى اللَّهُ بِتَعْظِيمِ أَمْرِهِ فَتَشْمَلُ مَنَاسِكَ الْحَجِّ كُلَّهَا.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: الْحُرُمَاتُ خَمْسٌ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَالْبَيْتُ الْحَرَامُ، وَالْبَلَدُ الْحَرَامُ، وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ، وَالْمُحْرِمُ مَا دَامَ مُحْرِمًا، فَقَصْرُهُ عَلَى الذَّوَاتِ دُونَ الْأَعْمَالِ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحُرُمَاتِ يَشْمَلُ الْهَدَايَا وَالْقَلَائِدَ وَالْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، كَالْغُسْلِ فِي مَوَاقِعِهِ، وَالْحَلْقِ وَمَوَاقِيتِهِ وَمَنَاسِكِهِ.
وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ لَمَّا ذَكَرَ آنِفًا بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ وَتَعْظِيمَ حُرُمَاتِ اللَّهِ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِإِبْطَالِ مَا حَرَّمَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْأَنْعَامِ مِثْلِ: الْبَحِيرَةِ، وَالسَّائِبَةِ،

الصفحة 252