كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 17)

[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 32]
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)
ذلِكَ تَكْرِيرٌ لِنَظِيرِهِ السَّابِقِ.
الشَّعَائِرُ: جَمْعُ شَعِيرَةٍ: الْمَعْلَمُ الْوَاضِحُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الشُّعُورِ. وَشَعَائِرُ اللَّهِ: لَقَبٌ لِمَنَاسِكِ الْحَجِّ، جَمْعُ شَعِيرَةٍ بِمَعْنَى: مُشْعِرَةٍ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ مُعْلِمَةٍ بِمَا عَيَّنَهُ اللَّهُ.
فَمَضْمُونُ جُمْلَةِ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ إِلَخْ ... أَخَصُّ مِنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ [الْحَج: 30] وَذِكْرُ الْأَخَصِّ بَعْدَ الْأَعَمِّ لِلِاهْتِمَامِ. أَوْ بِمَعْنًى مُشْعَرٍ بِهَا فَتَكُونُ شَعِيرَةٌ فَعِيلَةً بِمَعْنَى مُفْعُولَةٍ لِأَنَّهَا تُجْعَلُ لِيَشْعُرَ بِهَا الرَّائِي. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فِي [سُورَةِ الْبَقَرَةِ: 158] . فَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ بِزِيَارَتِهِ أَوْ بِفِعْلٍ يُوقَعُ فِيهِ فَهُوَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، أَيْ مِمَّا أشعر الله النَّاس وَقَرَّرَهُ وَشَهَرَهُ. وَهِيَ مَعَالِمُ الْحَجِّ: الْكَعْبَةُ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةُ، وَعَرَفَةُ، وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ، وَنَحْوُهَا مِنْ مَعَالِمِ الْحَجِّ.
وَتُطْلَقُ الشَّعِيرَةُ أَيْضًا عَلَى بَدَنَةِ الْهَدْيِ. قَالَ تَعَالَى: وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ [الْحَج: 36] لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ فِيهَا شِعَارًا، وَالشِّعَارُ الْعَلَّامَةُ بِأَنْ يَطْعَنُوا فِي جِلْدِ جَانِبِهَا الْأَيْمَنِ طَعْنًا حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ الدَّمُ فَتَكُونَ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهَا نُذِرَتْ للهدي، فَهِيَ فعلية بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مَصُوغَةٌ مِنْ أَشْعَرَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.
فَعَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ تَكُونُ جُمْلَةُ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ إِلَى آخِرِهَا عَطْفًا عَلَى
جُمْلَةِ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ [الْحَج: 30] إِلَخْ. وَشَعَائِرُ اللَّهِ أَخَصُّ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَعَطْفُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِلْعِنَايَةِ بِالشَّعَائِرِ.

الصفحة 256