كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 17)

وَضَمِيرُ أَنَّهُ الْحَقُّ عَائِدٌ إِلَى الْعِلْمِ الَّذِي أُوتُوهُ، أَيْ لِيَزْدَادُوا يَقِينًا بِأَنَّ الْوَحْيَ الَّذِي أُوتُوهُ هُوَ الْحَقُّ لَا غَيْرُهُ مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ لَهُمْ مِنَ التَّشْكِيكِ وَالشُّبَهِ وَالتَّضْلِيلِ، فَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَعْرِيفِ الْجُزْأَيْنِ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ أَنَّهُ عَائِدًا إِلَى مَا
تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ إِلَى قَوْلِهِ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ، أَيْ أَنَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْحَقُّ، كَقَوْلِ رُؤْبَةَ:
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَواد وبلق ... كَأَنَّهُ فِي الْجِلْدِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ
أَي كَانَ كالمذكور.
وَقَوْلُهُ فَيُؤْمِنُوا بِهِ مَعْنَاهُ: فَيَزْدَادُوا إِيمَانًا أَوْ فَيُؤْمِنُوا بِالنَّاسِخِ وَالْمُحْكَمِ كَمَا آمَنُوا بِالْأَصْلِ.
وَالْإِخْبَاتُ: الِاطْمِئْنَانُ وَالْخُشُوعُ. وَتَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ [الْحَج: 34] ، أَيْ فَيَسْتَقِرُّ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [الْبَقَرَة:
260] .
وَبِمَا تَلَقَّيْتَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الِانْتِظَامِ الْبَيِّنِ الْوَاضِحِ الْمُسْتَقِلِّ بِدَلَالَتِهِ وَالْمُسْتَغْنَى بِنَهْلِهِ عَنْ عُلَالَتِهِ، وَالسَّالِمِ مِنَ التَّكَلُّفَاتِ وَالِاحْتِيَاجِ إِلَى ضَمِيمَةِ الْقَصَصِ تَرَى أَنَّ الْآيَةَ بِمَعْزِلٍ عَمَّا أَلْصَقَهُ بِهَا الْمُلْصِقُونَ وَالضُّعَفَاءُ فِي عُلُومِ السُّنَّةِ، وَتَلَقَّاهُ مِنْهُمْ فَرِيقٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ حُبًّا فِي غَرَائِبِ النَّوَادِرِ دُونَ تَأَمُّلٍ وَلَا تَمْحِيصٍ، مِنْ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِصَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِسُورَةِ النَّجْمِ فَلَمْ يَكْتَفُوا بِمَا أَفْسَدُوا مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ حَتَّى تَجَاوَزُوا بِهَذَا الْإِلْصَاقِ إِلَى إِفْسَادِ مَعَانِي سُورَةِ النَّجْمِ، فَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٍ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرْطُبِيِّ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالضَّحَّاكِ وَأَقْرَبُهَا رِوَايَةٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكِ قَالُوا: إِنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ فِي نَادٍ مِنْ أَنْدِيَةِ قُرَيْشٍ كَثِيرٌ أَهْلُهُ مِنْ مُسْلِمِينَ وَكَافِرِينَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ

الصفحة 303