كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 17)

الْمَقَامَ مَقَامُ مُنَاضَلَةٍ وَتَوَعُّدٍ، وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ أَصْنَامِ وَأَوْثَانِ غَيْرِ الْعَرَبِ بَاطِلٌ أَيْضًا.
وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ تَدْعُونَ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الِالْتِفَاتِ إِلَى خِطَابِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِمْ فِيهِ ضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ مَقْصُودٌ مِنْهُ إِسْمَاعُهُمْ وَالتَّعْرِيضُ بِاقْتِرَابِ الِانْتِصَارِ عَلَيْهِمْ. وَقَرَأَ الْبَقِيَّةُ بِالتَّحْتِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ
الْكَلَامِ السَّابِقِ.
وَعُلُوُّ اللَّهِ: مُسْتَعَارٌ لِلْجَلَالِ وَالْكَمَالِ التَّامِّ.
وَالْكِبَرُ: مُسْتَعَارٌ لِتَمَامِ الْقُدْرَةِ، أَيْ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ دُونَ الْأَصْنَامِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا إِذْ لَيْسَ لَهَا كَمَالٌ وَلَا قُدْرَةٌ ببرهان الْمُشَاهدَة.
[63]

[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 63]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)
انْتِقَالٌ إِلَى التَّذْكِيرِ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ بِمُنَاسَبَةِ مَا جَرَى مِنْ قَوْلِهِ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ [الْحَج: 62] الْآيَةَ. وَالْمَقْصُودُ: التَّعْرِيضُ بِشُكْرِ اللَّهِ عَلَى نِعَمِهِ وَأَنْ لَا يَعْبُدُوا غَيْرَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّذْيِيلُ عَقِبَ تَعْدَادِ هَذِهِ النِّعَمِ بِقَوْلِهِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ [الْحَج:
66] ، أَيِ الْإِنْسَانُ الْمُشْرِكُ. وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِدْمَاجُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْفِرَادِهِ بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ فَهُوَ الرَّبُّ الْحَقُّ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ. وَالْمُنَاسَبَةُ هِيَ مَا جَرَى مِنْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَهُ الْبَاطِلُ، فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا.
وَالْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ تَصْلُحُ مِنْهُ الرُّؤْيَةُ لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ مَشْهُورٌ.

الصفحة 317