كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 17)

لَيْسُوا أَهْلًا لِلْمُخَاطَبَةِ توبيخا لَهُمْ، وَبِذَلِكَ يَنْدَمِجُ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ تَهْدِيدٌ لَهُمْ بِأَنَّهُ يَنْتَقِمُ مِنْهُمْ عَلَى وَقَاحَتِهِمْ.
وَتَوْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ وَلَامِ الِابْتِدَاءِ مَعَ أَنَّ مَضْمُونَهَا مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ لِتَنْزِيلِ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْإِنْكَارِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْرُوا عَلَى مُوجِبِ الْعِلْمِ حِينَ أَشْرَكُوا مَعَ الْقَوِيِّ الْعَزِيزِ ضُعَفَاءَ أَذِلَّةً.
وَالْقَوِيُّ: مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى. وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ مُرَادٍ لَهُ. وَالْعَزِيزُ: مِنْ أَسْمَائِهِ، وَهُوَ بِمَعْنَى: الْغَالِبِ لكلّ معاند.
[75]

[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 75]
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)
لَمَّا نَفَتِ الْآيَاتُ السَّابِقَةُ أَنْ يَكُونَ لِلْأَصْنَامِ الَّتِي يَعْبُدُهَا الْمُشْرِكُونَ مَزِيَّةٌ فِي نَصْرِهِمْ بِقَوْلِهِ: وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [الْحَج: 71] ، وَقَوْلِهِ: ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الْحَج:
73] وَنَعَى عَلَى الْمُشْرِكِينَ تكذيبهم الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِقَوْلِهِ: يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا [الْحَج: 72] ، وَقَدْ كَانَ مِنْ دَوَاعِي التَّكْذِيبِ أَنَّهُمْ أَحَالُوا أَنْ يَأْتِيَهُمْ رَسُولٌ مِنَ الْبَشَرِ: وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [الْأَنْعَام: 8] أَيْ يُصَاحِبُهُ، وَقالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا [الْفرْقَان: 21] أُعْقِبَ إِبْطَالُ أَقْوَالِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَصْطَفِي مَنْ شَاءَ اصْطِفَاءَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمِنَ النَّاسِ دُونَ الْحِجَارَةِ، وَأَنَّهُ يَصْطَفِيهِمْ لِيُرْسِلَهُمْ إِلَى النَّاسِ، أَيْ لَا لِيَكُونُوا شُرَكَاء، فَلَا جرح أَبْطَلَ قَوْلُهُ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ جَمِيعَ مَزَاعِمِهِمْ فِي أَصْنَامِهِمْ.
فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، وَالْمُنَاسَبَةُ مَا عَلِمْتَ.

الصفحة 343