كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 17)

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مُسْتَعَارًا لِمَا سَيَكُونُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ تُجَاهَ الشَّخْصِ وَهُوَ يَمْشِي إِلَيْهِ، وَما خَلْفَهُمْ مستعارا لما مضى وَعبر مِنْ أَحْوَالِهِمْ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ مَا تَرَكَهُ السَّائِرُ وَرَاءَهُ وَتَجَاوَزَهُ.
وَضَمِيرُ أَيْدِيهِمْ وخَلْفَهُمْ عَائِدَانِ: إِمَّا إِلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَادَ إِلَيْهِمْ ضَمِيرُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ [الْحَج: 67] ، وَإِمَّا إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ. وَإِرْجَاعُ الْأُمُورِ إِرْجَاعُ الْقَضَاءِ فِي جَزَائِهَا مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَبُنِيَ فِعْلُ تُرْجَعُ إِلَى النَّائِبِ لِظُهُورِ مَنْ هُوَ فَاعِلُ الْإِرْجَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ يُمْهِلُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ يَرْجِعُ الْأُمُورَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ الْحَقِيقِيِّ، أَيْ إِلَى اللَّهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ يَرْجِعُ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ مَلِكُ يَوْمِ الدِّينِ. وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأُمُورُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَيْ كُلِّ أَمْرٍ. وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ تَبَعًا لِمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ.
[77]

[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 77]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
لَمَّا كَانَ خِطَابُ الْمُشْرِكِينَ فَاتِحًا لِهَذِهِ السُّورَةِ وَشَاغِلًا لِمُعْظَمِهَا عَدَا مَا وَقَعَ اعْتِرَاضًا فِي خِلَالِ ذَلِكَ، فَقَدْ خُوطِبَ الْمُشْرِكُونَ بِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَعِنْدَ اسْتِيفَاءِ مَا سِيقَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْحُجَجِ وَالْقَوَارِعِ وَالنِّدَاءِ عَلَى مَسَاوِي أَعْمَالِهِمْ، خُتِمَتِ السُّورَةُ بِالْإِقْبَالِ عَلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يُصْلِحُ أَعْمَالَهُمْ وَيُنَوِّهُ بِشَأْنِهِمْ.

الصفحة 345