كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 18)

إِلَى الدُّنْيَا فَالَّذِي قَالَ لَهُمْ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ هُوَ الَّذِي أَعْلَمَهُمْ بِمَا هُوَ الْبَعْث.
[101- 104]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 101 إِلَى 104]
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104)
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 100] فَإِنَّ زَمَنَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ هُوَ يَوْمُ الْبَعْثِ فَالتَّقْدِيرُ: فَإِذَا جَاءَ يَوْمُ يَبْعَثُونَ، وَلَكِنْ عُدِلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ تَصْوِيرٌ لِحَالَةِ يَوْمِ الْبَعْثِ.
وَالصُّورُ: الْبُوقُ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ النَّافِخُ لِلتَّجَمُّعِ وَالنَّفِيرِ، وَهُوَ مِمَّا يُنَادَى بِهِ لِلْحَرْبِ وَيُنَادَى بِهِ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ الْيَهُودِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ بَدْءِ الْأَذَانِ مِنْ «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» . وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الصُّورِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [73] .
وَأُسْنِدَ نُفِخَ إِلَى الْمَجْهُول لِأَنَّ الْمُعْتَنَى بِهِ هُوَ حُدُوثُ النَّفْخِ لَا تَعْيِينُ النَّافِخِ. وَإِنَّمَا يُنْفَخُ فِيهِ بِأَمْرِ تَكْوِينٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ يَنْفُخُ فِيهِ أَحَدُ الْمَلَائِكَةِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ الْمَلَكُ إِسْرَافِيلُ.
وَالْمَقْصُودُ التَّفْرِيعُ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ إِلَى آخِرِهِ لِأَنَّهُ مَنَاطُ بَيَانِ الرَّدِّ عَلَى قَوْلِ قَائِلِهِمْ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ [الْمُؤْمِنُونَ: 99، 100] الْمَرْدُودِ إِجْمَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها [الْمُؤْمِنُونَ: 100] فَقُدِّمَ عَلَيْهِ مَا هُوَ كَالتَّمْهِيدِ لَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ إِلَى آخِرِهِ مُبَادَرَةً بِتَأْيِيسِهِمْ مِنْ أَنْ تَنْفَعَهُمْ أَنْسَابُهُمْ أَوِ اسْتِنْجَادُهُمْ.

الصفحة 125