كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 18)

بِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ، عَلَى أَنَّهُ يَشْمَلُ كُلَّ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِرُسُلِ اللَّهِ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ الدُّعَاءِ تَعُمُّ كَمَا فِي قَوْلِ الْحَرِيرِيِّ: «يَا أَهْلَ ذَا الْمَغْنَى وقيتم ضرا» .
[45- 48]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 45 إِلَى 48]
ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (45) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (46) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48)
الْآيَاتُ: الْمُعْجِزَاتُ، وَإِضَافَتُهَا إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ لِلتَّنْوِيهِ بِهَا وَتَعْظِيمِهَا. وَالسُّلْطَانُ الْمُبِينُ: الْحُجَّةُ الْوَاضِحَةُ الَّتِي لَقَّنَهَا اللَّهُ مُوسَى فَانْتَهَضَتْ عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ. وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ بَعَثْنَاهُ مُلَابِسًا لِلْمُعْجِزَاتِ وَالْحُجَّةِ.
وَمَلَأُ فِرْعَوْنَ: أَهْلُ مَجْلِسِهِ وَعُلَمَاءُ دِينِهِ وَهُمُ السَّحَرَةُ. وَإِنَّمَا جَعَلَ الْإِرْسَالَ إِلَيْهِمْ دُونَ بَقِيَّةِ أُمَّةِ الْقِبْطِ لِأَنَّ دَعْوَةَ مُوسَى وَأَخِيهِ إِنَّمَا كَانَتْ خِطَابًا لِفِرْعَوْنَ وَأَهْلِ دَوْلَتِهِ الَّذِينَ بِيَدِهِمْ تَصْرِيفُ أُمُورِ الْأُمَّةِ لِتَحْرِيرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنِ اسْتِعْبَادِهِمْ إِيَّاهُمْ قَالَ تَعَالَى: فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ [طه: 47] . وَلَمْ يُرْسَلَا بِشَرِيعَةٍ إِلَى الْقِبْطِ. وَأَمَّا الدَّعْوَةُ إِلَى التَّوْحِيدِ فَمُقَدَّمَةٌ لِإِثْبَاتِ الرِّسَالَةِ لَهُمْ.
وَعَطْفُ فَاسْتَكْبَرُوا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ يُفِيدُ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَأَمَّلُوا الدَّعْوَةَ وَالْآيَاتِ وَالْحُجَّةَ وَلَكِنَّهُمْ أَفْرَطُوا فِي الْكِبْرِيَاءِ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلتَّوْكِيدِ، أَيْ تَكَبَّرُوا كِبْرِيَاءً شَدِيدَةً بِحَيْثُ لَمْ يُعِيرُوا آيَاتِ مُوسَى وَحُجَّتَهُ أُذُنًا صَاغِيَةً.
وَجُمْلَةُ وَكانُوا قَوْماً عالِينَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ فعل فَاسْتَكْبَرُوا وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ فَقالُوا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، أَيْ فَاسْتَكْبَرُوا بِأَنْ أَعْرَضُوا عَنِ اسْتِجَابَةِ دَعْوَةِ مُوسَى وَهَارُونَ وَشَأْنُهُمُ الْكِبْرِيَاءُ وَالْعُلُوُّ، أَيْ كَانَ الْكِبْرُ خُلُقَهُمْ وَسَجِيَّتَهُمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

الصفحة 63