كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 18)

الَّتِي أَخَذَ فِيهَا ثُمَامَةَ أَسِيرًا وَأَسْلَمَ فَمَنَعَ صُدُورَ الْمِيرَةِ مِنْ أَرْضِ قَوْمِهِ بِالْيَمَامَةِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَكَانَتِ الْيَمَامَةُ مَصْدَرَ أَقْوَاتِهِمْ حَتَّى سُمِّيَتْ رِيفَ أَهْلِ مَكَّةَ فَأَصَابَهُمْ جُوعٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ (¬1) وَالْجِيَفَ سَبْعَ سِنِينَ، وَإِمَّا عَذَابُ السَّيْفِ الَّذِي حَلَّ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الْعَذَابَ عَذَابٌ وَقَعَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ وَتَعَيَّنَ أَنَّهُ عَذَابُ الْجُوعِ الَّذِي أَصَابَهُمْ أَيَّامَ مقَام النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ ثُمَّ كَشَفَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ بِبَرَكَةِ نبيه وسلامة للْمُؤْمِنين، وَذَلِكَ الْمَذْكُورُ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ [12] رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ.
وَقِيلَ الْعَذَابُ عَذَابُ الْآخِرَةِ. وَيُبْعِدُ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّهُ سَيُذْكَرُ عَذَابُ الْآخِرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ... الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 99- 114] كَمَا سَتَعْلَمُهُ.
وَتَجِيءُ مِنْهُ وُجُوهٌ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا يَخْفَى تَقْرِيرُهَا.
وَمَعْنَى يَجْأَرُونَ يَصْرُخُونَ وَمَصْدَرُهُ الْجَأْرُ. وَالِاسْمُ الْجُؤَارُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ أَلَمِ الْعَذَابِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُونَ صَبْرًا عَلَيْهِ فَيَصْدُرُ مِنْهُمْ صُرَاخُ التَّأَوُّهِ وَالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ.
وَجُمْلَةُ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ [الْمُؤْمِنُونَ: 68] وَهِيَ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ تَقُولُ لَهُمْ: لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ كَلَامٌ نَفْسِيٌّ أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ بِهِ لِتَخْوِيفِهِمْ مِنْ عَذَابٍ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ حِينَ حُلُولِهِ جُؤَارٌ إِذْ لَا مُجِيبَ لِجُؤَارِهِمْ وَلَا مُغِيثَ لَهُمْ مِنْهُ إِذْ هُوَ عَذَابٌ خَارِجٌ عَنْ مَقْدُورِ النَّاسِ لَا يَطْمَعُ أَحَدٌ فِي تَوَلِّي كَشْفِهِ. وَهَذَا تَأْيِيسٌ لَهُمْ مِنَ
¬_________
(¬1) بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وَكسر الْهَاء آخِره زَاي: هُوَ الدَّم المجمّد يخلط بالوبر ويشوى على النَّار

الصفحة 84