كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 18)

مِنْ أَدْوَائِهِمْ وَهُوَ إِخْلَالُهُمْ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّأَمُّلِ. وَاسْتِهْتَارُهُمْ بِدِينِ الْآبَاءِ الضُّلَّالِ مِنْ غَيْرِ بُرْهَانٍ، وَتَعَلُّلُهُمْ بِأَنَّهُ مَجْنُونٌ بَعْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ وَثَبَاتِ التَّصْدِيقِ مِنَ اللَّهِ بِالْمُعْجِزَاتِ وَالْآيَاتِ النَّيِّرَةِ، وَكَرَاهَتُهُمْ لِلْحَقِّ وَإِعْرَاضُهُمْ عَمَّا فِيهِ حَظُّهُمْ مِنَ الذِّكْرِ» اهـ.
وَجُمْلَةُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ مُعْتَرِضَةٌ تَكْمِيلًا لِلْغَرَضِ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّعْرِيفِ بِسِعَةِ فَضْلِهِ. وَيُفِيدُ تَأْكِيدًا لِمَعْنَى فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ.
[73، 74]

[سُورَة الْمُؤْمِنُونَ (23) : الْآيَات 73 إِلَى 74]
وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (74)
أُعْقِبَ تَنْزِيهُ الرَّسُولِ عَمَّا افْتَرُوهُ عَلَيْهِ بِتَنْزِيهِ الْإِسْلَامِ عَمَّا وسموه بِهِ مِنَ الْأَبَاطِيلِ وَالتَّنْزِيهِ بِإِثْبَاتِ ضِدِّ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ، أَيْ طَرِيقٌ لَا الْتِوَاءَ فِيهِ وَلَا عَقَبَاتٍ، فَالْكَلَامُ تَعْرِيضٌ بِالَّذِينِ اعْتَقَدُوا خِلَافَ ذَلِكَ. وَإِطْلَاقُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُوصِّلٌ إِلَى مَا يَتَطَلَّبُهُ كُلُّ عَاقِلٍ مِنَ النَّجَاةِ وَحُصُولِ الْخَيْرِ، فَكَمَا أَنَّ السَّائِرَ إِلَى طَلْبَتِهِ لَا يَبْلُغُهَا إِلَّا بِطَرِيقٍ، وَلَا يَكُونُ بُلُوغُهُ مَضْمُونًا مَيْسُورًا إِلَّا إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ مُسْتَقِيمًا فالنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ دَعَاهُمْ إِلَى السَّيْرِ فِي طَرِيقٍ مُوصِلٍ بِلَا عَنَاءٍ.
وَالتَّأْكِيدُ بِ (إِنَّ) وَاللَّامِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَسُوقٌ لِلتَّعْرِيضِ بِالْمُنْكِرِينَ عَلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَكَذَلِكَ التَّوْكِيدُ فِي قَوْلِهِ: وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ.
وَالتَّعْبِيرُ فِيهِ بِالْمَوْصُولِ وَصِلَتُهُ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ حَيْثُ عُدِلَ عَنْ أَنْ يَقُولَ: وَإِنَّهُمْ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ. وَالْغَرَضُ مِنْهُ مَا تنبىء بِهِ الصِّلَةُ مِنْ سَبَبِ تَنَكُّبِهِمْ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ أَنَّ سَبَبَهُ عَدَمُ إِيمَانِهِمْ بِالْآخِرَةِ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ هَذَا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ

الصفحة 98