كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 19)

وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ بِ ذلِكَ هُوَ الْمَذْكُورُ مِنَ الْأَرْضِ، وَإِنْبَاتُ اللَّهِ الْأَزْوَاجَ فِيهَا، وَمَا فِي تِلْكَ الْأَزْوَاجِ مِنْ مَنَافِعَ وَبَهْجَةٍ.
وَالتَّأْكِيدُ بِحَرْفِ إِنَّ لِتَنْزِيلِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يُنْكِرُ دَلَالَةَ ذَلِكَ الْإِنْبَاتِ وَصِفَاتِهِ عَلَى ثُبُوتِ الْوَحْدَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ بَاعِثُ تَكْذِيبِهِمُ الرَّسُولَ لِمَا دَعَاهُمْ إِلَى إِثْبَاتِهَا، وَإِفْرَادُ (آيَةً) لِإِرَادَةِ الْجِنْسِ، أَوْ لِأَنَّ فِي الْمَذْكُورِ عِدَّةَ أَشْيَاءَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا آيَةٌ فَيَكُونُ عَلَى التَّوْزِيعِ.
وَجُمْلَةُ: وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً إِخْبَارًا عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ مُصِرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ هَذَا الدَّلِيلِ الْوَاضِحِ، وَضَمِيرُ أَكْثَرُهُمْ عَائِدٌ إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ الْمَقَامِ كَمَا عَادَ الضَّمِيرُ الَّذِي فِي قَوْله: أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاء: 3] ، وَهُمْ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ وَهَذَا تَحَدٍّ لَهُمْ كَقَوْلِهِ: وَلَنْ تَفْعَلُوا [الْبَقَرَة: 24] .
وَأُسْنِدَ نَفْيُ الْإِيمَانِ إِلَى أَكْثَرِهِمْ لِأَنَّ قَلِيلًا مِنْهُمْ يُؤْمِنُونَ حِينَئِذٍ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ.
وكانَ هُنَا مُقْحَمَةٌ لِلتَّأْكِيدِ عَلَى رَأْيِ سِيبَوَيْهِ وَالْمُحَقِّقِينَ.
وَجُمْلَةُ: وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ تَذْيِيلٌ لِهَذَا الْخَبَرِ: بِوَصْفِ اللَّهِ بِالْعِزَّةِ، أَيْ تَمَامِ الْقُدْرَةِ فَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعِقَابَ، وَبِوَصْفِ الرَّحْمَةِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ فِي إِمْهَالِهِمْ رَحْمَةً بِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ، وَرَحِيمٌ بِكَ. قَالَ تَعَالَى: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ [الْكَهْف: 58] . وَفِي وَصْفِ الرَّحْمَةِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ يَرْحَمُ رُسُلَهُ بِتَأْيِيدِهِ وَنَصْرِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ لَمَّا كَانَ عَقْلِيًّا اقْتُصِرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُكَرَّرْ بِغَيْرِهِ مِنْ نَوْعِ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ كَمَا كُرِّرَتِ الدَّلَائِلُ الْحَاصِلَةُ مِنَ الْعِبْرَةِ بِأَحْوَالِ الْأُمَمِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسى [الشُّعَرَاء: 10] إِلَى آخِرِ قِصَّةِ أَصْحَاب ليكة.
[10، 11]

[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 10 إِلَى 11]
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11)
شُرُوعٌ فِي عَدِّ آيَاتٍ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِكْرِ عَوَاقِبِ الْمُكَذِّبِينَ بِرُسُلِهِمْ

الصفحة 102