كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 19)

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَلَا كَلِمَةً وَاحِدَةً هِيَ أَدَاةُ الْعَرْضِ وَالتَّحْضِيضِ فَتَكُونُ جُمْلَةُ:
أَلا يَتَّقُونَ بَيَانًا لِجُمْلَةِ ائْتِ. وَالْمَعْنَى: قُلْ لَهُمْ: أَلَا تَتَّقُونَ. فَحَكَى مَقَالَتَهُ بِمَعْنَاهَا لَا بِلَفْظِهَا. وَذَلِكَ وَاسْعٌ فِي حِكَايَةِ الْقَوْلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [الْمَائِدَة: 117] فَإِنَّ جُمْلَةَ: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مُفَسِّرَةٌ لِجُمْلَةِ أَمَرْتَنِي. وَإِنَّمَا أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ رَبَّ مُوسَى وَرَبَّهُمْ، فَحَكَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ بِالْمَعْنَى. وَهَذَا الْعَرْضُ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ النَّازِعَاتِ [18] فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى.
وَالِاتِّقَاءُ: الْخَوْفُ وَالْحَذَرُ، وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ فِعْلِ يَتَّقُونَ لِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ: أَلَا يَتَّقُونَ عَوَاقِبَ ظُلْمِهِمْ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [56] .
وَيَعْلَمُ مُوسَى مِنْ إِجْرَاءِ وَصْفِ الظُّلْمِ وَعَدَمِ التَّقْوَى عَلَى قَوْمِ فِرْعَوْنَ فِي مَعْرِضِ أَمْرِهِ بِالذَّهَابِ إِلَيْهِمْ أَنَّ مِنْ أَوَّلِ مَا يَبْدَأُ بِهِ دَعْوَتَهُمْ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى تَرْكِ الظُّلْمِ وَإِلَى التَّقْوَى.
وَذِكْرُ مُوسَى تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فِي سُورَة الْبَقَرَةِ [51] . وَتَقَدَّمَتْ تَرْجَمَةُ فِرْعَوْنَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فِي الْأَعْرَاف [103] .
[12- 14]

[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 12 إِلَى 14]
قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)
افْتِتَاحُ مُرَاجَعَتِهِ بِنِدَاءِ اللَّهِ بِوَصْفِ الرَّبِّ مُضَافًا إِلَيْهِ تَحْنِينٌ وَاسْتِسْلَامٌ. وَإِنَّمَا خَافَ أَنْ
يُكَذِّبُوهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الرِّسَالَةِ لَا يَتَلَقَّاهَا الْمُرْسَلُ إِلَيْهِمْ إِلَّا بِالتَّكْذِيبِ، وَجَعَلَ نَفْسَهُ خَائِفًا مِنَ التَّكْذِيبِ لِأَنَّهُ لَمَّا خُلِعَتْ عَلَيْهِ الرِّسَالَةُ عَنِ اللَّهِ وَقَرَ فِي صَدْرِهِ الْحِرْصُ عَلَى نَجَاحِ رِسَالَتِهِ فَكَانَ تَكْذِيبُهُ فِيهَا مَخُوفًا مِنْهُ.
ويَضِيقُ صَدْرِي قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِالرَّفْعِ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى أَخافُ

الصفحة 105