كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 19)

عُسْرٌ. وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الظَّنُّ كَمَا فِي قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشُّعَرَاء: 82] ، فَهَذَا الْإِطْلَاقُ تَأَدُّبٌ مَعَ اللَّهِ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ. وَعَلَّلُوا ذَلِكَ الطَّمَعَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ بِتَصْدِيقِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى رُسُوخِ إِيمَانِهِمْ بِاللَّه ووعده.
[52]

[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 52]
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52)
هَذِهِ قَصَّةٌ أُخْرَى مِنْ أَحْوَالِ مُوسَى فِي دَعْوَةِ فِرْعَوْنَ، فَالْوَاوُ لِعَطْفِ الْقِصَّةِ وَلَا تُفِيدُ قُرْبَ الْقِصَّةِ مِنَ الْقِصَّةِ، فَقَدْ لَبِثَ مُوسَى زَمَنًا يُطَالِبُ فِرْعَوْنَ بِإِطْلَاقِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِيَخْرُجُوا مِنْ مِصْرَ، وَفِرْعَوْنُ يُمَاطِلُ فِي ذَلِكَ حَتَّى رَأَى الْآيَاتِ التِّسْعَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ.
وَنَظِيرُ بَعْضِ هَذِهِ الْآيَةِ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ طه. وَزَادَتْ هَذِهِ بِقَوْلِهِ: إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ، أَيْ أَعْلَمَ اللَّهُ مُوسَى أَنَّ فِرْعَوْنَ سَيَتْبَعُهُمْ بِجُنْدِهِ كَمَا فِي آيَةِ سُورَةِ طَه. وَالْقَصْدُ مِنْ إِعْلَامِهِ بِذَلِكَ تَشْجِيعُهُ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ أَسْرِ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ فِعْلَ أَمْرٍ مِنْ (سَرَى) وَبِكَسْرِ نُونِ
أَنْ. لِأَجْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَسُكُونِ نُونِ (أَنْ) وَفِعْلَا سَرَى وَأَسْرَى مُتَّحِدَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى [الْإِسْرَاء: 1] .
[53- 56]

[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 53 إِلَى 56]
فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (53) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (56)
ظَاهِرُ تَرْتِيبِ الْجُمَلِ يَقْتَضِي أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ عَلَى جُمْلَةِ: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى [الشُّعَرَاء: 52] وَأَنَّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ: فَأَسْرَى مُوسَى وَخَرَجَ بِهِمْ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ حَاشِرِينَ، أَيْ لَمَّا خَرَجَ بَنُو إِسْرَائِيلَ خَشِيَ فِرْعَوْنُ أَنْ يَنْتَشِرُوا فِي مَدَائِنِ مِصْرَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ شُرَطًا يَحْشُرُونَ النَّاسَ لِيَلْحَقُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَرُدُّوهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ قَاعِدَةِ الْمُلْكِ.
والْمَدائِنِ: جَمْعُ مَدِينَةٍ، أَيِ الْبَلَدُ الْعَظِيمُ. وَمَدَائِنُ الْقُطْرِ الْمِصْرِيِّ يَوْمَئِذٍ كَثِيرَةٌ.
مِنْهَا (مَانُوفِرَى أَوْ مَنْفِيسُ) هِيَ الْيَوْمَ مَيِتْ رَهِينَةٍ بِالْجِيزَةِ وَ (تِيبَةُ أَوْ طِيبَةُ) هِيَ

الصفحة 129