كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 19)

أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ الْبَحْرَ وَانْفَلَقَ الْبَحْرُ طُرُقًا مَرَّتْ مِنْهَا أَسْبَاطُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاقْتَحَمَ فِرْعَوْنُ الْبَحْرَ فَمُدَّ الْبَحْرُ عَلَيْهِمْ حِينَ تَوَسَّطُوهُ فَغَرِقَ جَمِيعُهُمْ.
وَالْفِرْقُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ: الْجُزْءُ الْمَفْرُوقُ مِنْهُ، وَهُوَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلُ الْفَلَقِ. وَالطَّوْدُ: الْجَبَلُ.
وأَزْلَفْنا قَرَّبْنَا وَأَدْنَيْنَا، مُشْتَقٌّ مِنَ الزَّلَفِ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْقُرْبُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِعْلَهُ كَفَرِحَ. وَيُقَالُ: ازْدَلَفْ: اقْتَرَبَ، وَتَزَلَّفَ: تَقَرَّبَ، فَهَمْزَةُ أَزْلَفْنا لِلتَّعْدِيَةِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ جَرَّأَهُمْ حَتَّى أَرَادُوا اقْتِحَامَ طُرُقِ الْبَحْرِ كَمَا رَأَوْا فِعْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَظُنُّونَ أَنَّهُ مَاءٌ غَيْرُ عَمِيقٍ.
وَالْآخَرُونَ: هُمْ قَوْمُ فِرْعَوْنَ لِوُقُوعِهِ فِي مُقَابَلَةِ فَرِيقِ بني إِسْرَائِيل.
[67، 68]

[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 67 إِلَى 68]
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)
تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ آنِفًا قَبْلَ قِصَّةِ مُوسَى. وَكَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ آيَةً لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الِانْقِلَابَ الْعَظِيمَ فِي أَحْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ الْخَارِجَ عَنْ مُعْتَادِ تَقَلُّبَاتِ الدُّوَلِ وَالْأُمَمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَصَرُّفٌ إِلَهِيٌّ خَاصٌّ أَيَّدَ بِهِ رَسُولَهُ وَأُمَّتَهُ وَخَضَّدَ بِهِ شَوْكَةَ أَعْدَائِهِمْ وَمَنْ كَفَرُوا بِهِ، فَهُوَ آيَةٌ عَلَى عَوَاقِبِ تَكْذِيبِ رُسُلِ اللَّهِ مَعَ مَا تَتَضَمَّنُهُ الْقِصَّةُ مِنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ.
وَوَجْهُ تَذْيِيلِ كُلِّ اسْتِدْلَالٍ مِنْ دَلَائِلِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَصِدْقِ الرُّسُلِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِجُمْلَةِ:
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً إِلَى آخِرِهَا تَقَدَّمَ فِي طَالِعَةِ هَذِه السُّورَة.

الصفحة 136