كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 19)

وَالْمُبِينُ: مِنْ أَبَانَ الْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى بَيَّنَ وَوَضَّحَ. وَالْقَصْرُ إِضَافِيٌّ وَهُوَ قَصْرُ مَوْصُوفٍ عَلَى صِفَةٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ هُودٍ حِكَايَةُ مَوْقِفٍ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ قَوْمِهِ شَبِيهٍ بِمَا حُكِيَ هُنَا وَبَيْنَ الْحِكَايَتَيْنِ اخْتِلَافٌ مَا، فَلَعَلَّهُمَا مَوْقِفَانِ أَوْ هُمَا كَلَامَانِ فِي مَوْقِفٍ وَاحِدٍ حُكِيَ أَحَدُهُمَا هُنَالِكَ وَالْآخَرُ هُنَا عَلَى عَادَةِ قَصَصِ الْقُرْآنِ، فَمَا فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ مِنْ زِيَادَةٍ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مُكَمِّلٌ لِمَا فِي الْأُخْرَى.
[116- 120]

[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : الْآيَات 116 إِلَى 120]
قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (120)
لَمَّا أَعْيَاهُمُ الِاسْتِدْلَالُ صَارُوا إِلَى سِلَاحِ الْمُبْطِلِينَ وَهُوَ الْمُنَاضَلَةُ بِالْأَذَى.
وَالرَّجْمُ: الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ، وَقَدْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْقَتْلِ بِهِ، ومِنَ الْمَرْجُومِينَ يُفِيدُ مِنْ بَيْنِ الَّذِينَ يُعَاقَبُونَ بِالرَّجْمِ، أَيْ مِنْ فِئَةِ الدُّعَّارِ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الرَّجْمَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [56] .
وَقَوْلُهُ: إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ تَمْهِيدٌ لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِنْشَاءِ التَّحَسُّرِ وَالْيَأْسِ مِنْ إِقْلَاعِهِمْ عَنِ التَّكْذِيبِ.
وَالْفَتْحُ: الْحُكْمُ، وَتَأْكِيدُهُ بِ فَتْحاً لِإِرَادَةِ حُكْمٍ شَدِيدٍ، وَهُوَ الِاسْتِئْصَالُ وَلِذَلِكَ أَعْقَبَهُ بِالِاحْتِرَاسِ بِقَوْلِهِ: وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
والْمَشْحُونِ: الْمَمْلُوءُ.
وثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ فِي الْإِخْبَارِ لِأَنَّ إِغْرَاقَ أُمَّةٍ كَامِلَةٍ أَعْظَمُ دَلَالَةً عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ مِنْ إِنْجَاءِ طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ.
وَحَذْفُ الْيَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: كَذَّبُونِ لِلْفَاصِلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [الشُّعَرَاء: 14] .

الصفحة 163