كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 19)

وَمِنْ فَقَرَاتِ الْوَزِيرِ ابْنِ الْخَطِيبِ الْأَنْدَلُسِيِّ (¬1) : فَأَخْبَارُ الْأَقْطَارِ مِمَّا تُنْفِقُ فِيهِ الْمُلُوكُ أَسْمَارَهَا، وَتُرَقِّمُ بِبَدِيعِ هَالَاتِهِ أَقْمَارَهَا، وَتَسْتَفِيدُ مِنْهُ حُسْنَ السِّيَرِ، وَالْأَمْنَ مِنَ الْغِيَرِ، فَتَسْتَعِينُ عَلَى الدَّهْرِ بِالتَّجَارِبِ.. وَتَسْتَدِلُّ بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ اه.
وَالْإِحَاطَةُ: الِاشْتِمَالُ عَلَى الشَّيْءِ وَجَعْلُهُ فِي حَوْزَةِ الْمُحِيطِ. وَهِيَ هُنَا مُسْتَعَارَةٌ لِاسْتِيعَابِ الْعِلْمِ بِالْمَعْلُومَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً [الْكَهْف: 68] فَمَا صدق بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ مَعْلُومَاتٌ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمُ سُلَيْمَانَ.
وسَبَإٍ: بِهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ وَقَدْ يُخَفَّفُ اسْمُ رَجُلٍ هُوَ عَبَّشَمْسُ بْنُ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ ابْن قَحْطَانَ. لُقِّبَ بِسَبَأٍ. قَالُوا: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَبَى فِي غَزْوِهِ. وَكَانَ الْهَمْزُ فِيهِ لِتَغْيِيرِهِ الْعِلْمِيَّةَ عَنِ الْمَصْدَرِ. وَهُوَ جَدُّ جِذِمَ عَظِيمٍ مِنْ أَجْذَامِ الْعَرَبِ. وَذُرِّيَّتُهُ كَانُوا بِالْيَمَنِ ثُمَّ
تَفَرَّقُوا كَمَا سَيَأْتِي فِي سُورَةِ سَبَأٍ. وَأُطْلِقَ هَذَا الِاسْمُ هُنَا عَلَى دِيَارِهِمْ لِأَنَّ مِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ وَهِيَ لِابْتِدَاءِ الْأَمْكِنَةِ غَالِبًا.
فَاسْمُ سَبَإٍ غَلَبَ عَلَى الْقَبِيلَةِ الْمُتَنَاسِلَةِ مِنْ سَبَأٍ الْمَذْكُورِ وَهُمْ مِنَ الْجِذْمِ الْقَحْطَانِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْعَرَبِ الْمُسْتَعْرِبَةِ، أَيْ الَّذين لم ينشأوا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ وَلَكِنَّهُمْ نَزَحُوا مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ، وَأَوَّلُ نَازِحٍ مِنْهُمْ هُوَ يَعْرُبُ (بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الرَّاءِ) بن قَحْطَانَ (وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ يَقْطَانَ) بْنِ عَابِرِ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخَشْدَ (وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ أَرْفَكْشَادَ) بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ.
وَهَذَا النَّسَبُ يَتَّفِقُ مَعَ مَا فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ مِنْ سَامٍ إِلَى عَابِرٍ، فَمِنْ عَابِرٍ يَفْتَرِقُ نَسَبُ الْقَحْطَانِيِّينَ مِنْ نَسَبِ الْعِبْرَانِيِّينَ فَأَمَّا أَهْلُ أَنْسَابِ الْعَرَبِ فَيَجْعَلُونَ لِعَابِرٍ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْمُهُ قَحْطَانُ وَالْآخَرُ اسْمُهُ (فَالْغُ) . وَأَمَّا سِفْرُ التَّكْوِينِ فَيَجْعَلُ أَنَّ أَحَدَهُمَا اسْمُهُ (يَقْطُنُ) وَلَا شَكَّ أَنَّهُ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَرَبِ قَحْطَانُ، وَالْآخَرُ اسْمُهُ (فَالِجُ) بِفَاءٍ فِي أَوَّلِهِ وَجِيمٍ فِي آخِرِهِ، فَوَقَعَ تَغْيِيرٌ فِي بَعْضِ حُرُوفِ الِاسْمَيْنِ لِاخْتِلَافِ اللُّغَتَيْنِ.
وَلَمَّا انْتَقَلَ يَعْرُبُ سَكَنَ جَنُوبَ الْبِلَادِ الْعَرَبِيَّةِ (الْيَمَنَ) فَاسْتَقَرَّ بِمَوْضِعٍ بَنَى فِيهِ مَدِينَةَ ظَفَارِ (بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُشَالَةِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ) فَهِيَ أَوَّلُ مَدِينَةٍ فِي بِلَادِ الْيَمَنِ
¬_________
(¬1) فِي رِسَالَة من مراسلاته فِي كتاب «ريحَان الكتّاب» .

الصفحة 250