كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 19)

أَرَادَ: تَنَكَّرَتْ حَالَةَ مُعَاشَرَتِهَا بِسَبَبِ تَغْيِيرِ الْوَاشِينَ، بِأَنْ يُغَيِّرَ بَعْضَ أَوْصَافِهِ، قَالُوا:
أَرَادَ مُفَاجَأَتَهَا وَاخْتِبَارَ مَظَنَّتِهَا.
وَالْمَأْمُورُ بِالتَّنْكِيرِ أَهْلُ الْمَقْدِرَةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَلَئِهِ.
ومِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ أَبْلَغُ فِي انْتِفَاءِ الِاهْتِدَاءِ مِنْ: لَا تَهْتَدِي، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ.
[42، 43]

[سُورَة النَّمْل (27) : الْآيَات 42 الى 43]
فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43)
فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ.
دلّ قَوْله: فَلَمَّا جاءَتْ أَنَّ الْمَلِكَةَ لَمَّا بَلَغَهَا مَا أَجَابَ بِهِ سُلَيْمَانُ رُسُلَهَا أَزْمَعَتِ الْحُضُورَ بِنَفْسِهَا لَدَى سُلَيْمَانَ دَاخِلَةً تَحْتَ نُفُوذِ مَمْلَكَتِهِ، وَأَنَّهَا تَجَهَّزَتْ لِلسَّفَرِ إِلَى أُورْشَلِيمَ بِمَا يَلِيقُ بِمِثْلِهَا.
وَقَدْ طُوِيَ خَبَرُ ارْتِحَالِهَا إِذْ لَا غَرَضَ مُهِمًّا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْعِبْرَةِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهَا خَضَعَتْ لِأَمْرِ سُلَيْمَانَ وَجَاءَتْهُ رَاغِبَةً فِي الِانْتِسَابِ إِلَيْهِ.
وَبُنِيَ فِعْلُ قِيلَ لِلْمَجْهُولِ إِذْ لَا يَتَعَلَّقُ غَرَضٌ بِالْقَائِلِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ هُوَ سُلَيْمَانُ.
وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (43) .
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي [النَّمْل: 40] الْآيَةَ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضًا، أَيْ هَذَا مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي [النَّمْل: 41] الْآيَةَ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضًا كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى أَهكَذا عَرْشُكِ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضًا بِهِ جَوَابُهَا، أَيْ وَقِيلَ أُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا، أَيْ قَالَ الْقَائِلُ: أَهَكَذَا عَرْشُكِ، أَيْ قَالَ سُلَيْمَانُ ذَلِكَ فِي مَلَئِهِ عَقِبَ اخْتِيَارِ رَأْيِهَا شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى مَا لَدَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ، أَوْ قَالَ بَعْضُ مَلَأِ سُلَيْمَانَ لِبَعْضِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ. وَلَعَلَّهُمْ تَخَافَتُوا بِهِ أَوْ رَطَنُوهُ بِلُغَتِهِمُ الْعِبْرِيَّةِ

الصفحة 273