كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 19)

التَّحَدِّي يُعْجِزُهُمْ عَنْ مُعاَرَضَةِ الْقُرْآنِ، وَعَلَيْهِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ تَعْقِيبِهِ بِآيَةِ تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ [الشُّعَرَاء: 2] .
وَالْجُمْهُور قرأوا: طسم كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَأَدْغَمُوا النُّونَ مِنْ سِينٍ فِي الْمِيمِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِإِظْهَارِ النُّونِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ حُرُوفًا مُفَكَّكَةً، قَالُوا وَكَذَلِكَ هِيَ مَرْسُومَةٌ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ حُرُوفًا مُفَكَّكَةً (ط س م) .
وَالْقَوْلُ فِي عَدَمِ مَدِّ اسْمِ (طا) مَعَ أَنَّ أَصْلَهُ مَهْمُوزُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَدْ عَرَضَ لَهُ سُكُونُ السَّكْتِ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ كَمَا تحذف للْوَقْف، كَمَا تقدم فِي عَدَمِ مَدِّ (را) فِي (الر) فِي سُورَة يُونُس [1] .
[2]

[سُورَة الشُّعَرَاء (26) : آيَة 2]
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2)
الْإِشَارَةُ إِلَى الْحَاضِرِ فِي الْأَذْهَانِ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ مِنْ قَبْلُ، وَبَيَّنَهُ الْإِخْبَارُ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ بِأَنَّهَا آيَاتُ الْكِتَابِ.
وَمَعْنَى الْإِشَارَةِ إِلَى آيَاتِ الْقُرْآنِ قَصْدُ التَّحَدِّي بِأَجْزَائِهِ تَفْصِيلًا كَمَا قُصِدَ التَّحَدِّيَ بِجَمِيعِهِ إِجْمَالًا. وَالْمَعْنَى: هَذِهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ تُقْرَأُ عَلَيْكُمْ وَهِيَ بِلُغَتِكُمْ وَحُرُوفِ هِجَائِهَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهَا وَدُونَكُمُوهَا. وَالْكَافُ الْمُتَّصِلَةُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِلْخِطَابِ وَهُوَ خِطَابٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ كُلِّ مُتَأَهِّلٍ لِهَذَا التَّحَدِّي مِنْ بُلَغَائِهِمْ.
والْمُبِينِ الظَّاهِرُ، وَهُوَ مِنْ أَبَانَ مُرَادِفِ بَانَ، أَيْ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْوَاضِحِ كَوْنُهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَعَانِي الْعَظِيمَةِ وَالنَّظْمِ الْمُعْجِزِ، وَإِذَا كَانَ الْكِتَابُ مُبَيِّنًا كَانَتْ آيَاتُهُ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهَا آيَاتٍ مُبِينَةً عَلَى صِدْقِ الرُّسُلِ بِهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبِينِ مِنْ أَبَانَ الْمُتَعَدِّي، أَيِ الَّذِي يُبَيِّنُ مَا فِيهِ مِنْ مَعَانِي الْهُدَى وَالْحَقِّ وَهَذَا مِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَيَيْهِ كَالْمُشْتَرَكِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَا بَلَغَكُمْ وَتُلِيَ عَلَيْكُمْ هُوَ آيَاتُ الْقُرْآنِ الْمُبِينِ، أَيِ الْبَيِّنِ صِدْقُهُ وَدَلَالَتُهُ عَلَى صِدْقِ مَا جَاءَ بِهِ مَا لَا يَجْحَدُهُ إِلَّا مكابر.

الصفحة 92