كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 21)

سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ لَا نَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا ثَمَرَةً وَاحِدَةً إِلَّا قِرًى أَوْ بَيْعًا أَفَحِينَ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا إِلَيْهِ وَأَعَزَّنَا بِكَ وَبِهِ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا؟ مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ، وَاللَّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَنْتَ وَذَاكَ. فَهَذَا مَوْقِفُ الْمُسْلِمِينَ فِي تِلْكَ الشِّدَّةِ وَهَذَا تَسْلِيمُ أَنْفُسِهِمْ لِلْقِتَالِ.
وَمِنَ التَّسْلِيمِ الرِّضَى بِمَا يَأْمُرُ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّبَاتِ مَعَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النِّسَاء: 65] .
وَإِذْ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ لقَوْله وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ إِلَى آخِرِهِ ... فَقَدْ تَعَيَّنَ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي زَادَهُمْ ذَلِكَ هُوَ زِيَادَةٌ عَلَى إِيمَانِهِمْ، أَيْ: إِيمَانٌ مَعَ إِيمَانِهِمْ.
وَالْإِيمَانُ الَّذِي زَادَهُمُوهُ أُرِيدَ بِهِ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ إِيمَانِهِمُ الْقَوِيِّ، فَجَعَلَ تَكَرُّرَ مَظَاهِرِ الْإِيمَانِ وَآثَارِهِ كَالزِّيَادَةِ فِي الْإِيمَانِ لِأَنَّ تَكَرُّرَ الْأَعْمَالِ يُقَوِّي الْبَاعِثَ عَلَيْهَا فِي النَّفْسِ يباعد بَيْنَ صَاحِبِهِ وَبَيْنَ الشَّكِّ وَالِارْتِدَادِ فَكَأَنَّهُ يَزِيدُ فِي ذَلِكَ الْبَاعِثِ، وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ [الْفَتْح: 4] وَقَوْلِهِ: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ [124] ، فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي ضِدِّ الزِّيَادَةِ وَهُوَ النَّقْصُ، وَإِلَّا فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِالشَّيْءِ إِذَا حَصَلَتْ بِمُقَوِّمَاتِهَا فَهِيَ وَاقِعَةٌ، فَزِيَادَتُهَا تَحْصِيلُ حَاصِل ونقصها نقض لَهَا وَانْتِفَاءٌ لِأَصْلِهَا. وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ إِضَافَةِ الزِّيَادَةِ إِلَى الْإِيمَانِ وَكَذَلِكَ مَا يُضَافُ إِلَى الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ مِنَ الزِّيَادَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً [التَّوْبَة: 97] وَقَوْلِهِ: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ [التَّوْبَة: 125] . وَإِلَى هَذَا الْمَحْمَلِ يرجع خلاف الْأَئِمَّة فِي قَبُولِ الْإِيمَانِ الزِّيَادَة وَالنَّقْص فيؤول إِلَى خلاف لَفْظِي.
[23]

[سُورَة الْأَحْزَاب (33) : آيَة 23]
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)
أَعْقَبَ الثَّنَاءَ عَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ الْخُلَّصِ عَلَى ثَبَاتِهِمْ وَيَقِينِهِمْ وَاسْتِعْدَادِهِمْ لِلِقَاءِ

الصفحة 306