كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 22)
وَجْهُ تِعْدَادِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَة فِي هَذِه الْآيَة لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ التَّسْوِيَةُ فِي خُصُوصِ صِفَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَسُلِكَ مَسْلَكُ الْإِطْنَابِ فِي تِعْدَادِ الْأَوْصَافِ لِأَنَّ الْمَقَامَ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ لِاخْتِلَافِ أَفْهَامِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ فِي هَذَا التِّعْدَادِ إِيمَاءً إِلَى أُصُولِ التَّشْرِيعِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَبِهَذِهِ الْآثَارِ يَظْهَرُ اتِّصَالُ هَذِهِ الْآيَاتِ بِالَّتِي قَبْلَهَا. وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ تَأْكِيدِ هَذَا الْخَبَرِ
بِحَرْفِ إِنَّ لِدَفْعِ شَكِّ مَنْ شَكَّ فِي هَذَا الْحُكْمِ مِنَ النِّسَاءِ.
وَالْمُرَادُ بِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذَا الْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ شَرَعًا.
وَالْإِسْلَامُ بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ هُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَلَا يَعْتَبِرُ إِسْلَامًا إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ. وَذِكْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بَعْدَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْأَصْلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فِي الْبَقَرَةِ [132] .
وَالْمرَاد ب الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ الَّذين آمنُوا. وَالْإِيمَان: أَن يُؤمن بالله وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر ويؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره. وَتقدم الْكَلَام على الْإِيمَان فِي أَوَائِل سُورَة الْبَقَرَة.
و (الْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) : أَصْحَابُ الْقُنُوتِ وَهُوَ الطَّاعَةُ لِلَّهِ وَعِبَادَتُهُ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [الْأَحْزَاب: 31] والصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ مَنْ حَصَلَ مِنْهُمْ صِدْقُ الْقَوْلِ وَهُوَ ضِدُّ الْكَذِبِ، وَالصِّدْقُ كُلُّهُ حَسَنٌ، وَالْكَذِبُ لَا خَيْرَ فِيهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ.
وَشَمَلَ ذَلِكَ الْوَفَاءَ بِمَا يُلْتَزَمُ بِهِ مِنْ أُمُورِ الدِّيَانَةِ كَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَالْوَفَاءِ بِالنذرِ، وَتقدم عِنْد قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [177] .
وب الصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ: أَهْلُ الصَّبْرِ وَالصَّبْرُ مَحْمُودٌ فِي ذَاتِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى قُوَّةِ الْعَزِيمَةِ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا هُوَ تَحَمُّلُ الْمَشَاقِّ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَتَحَمُّلُ الْمَكَارِهِ فِي
الصفحة 21
379