كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 23)

وَقَوْلُهُ: وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ يجوز أَن يكون عَطْفًا عَلَى تَوْصِيَةً، أَيْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الرُّجُوعَ إِلَى أَهْلِهِمْ كَشَأْنِ الَّذِي يُفَاجِئُهُ ذُعْرٌ فَيُبَادِرُ بِافْتِقَادِ حَالِ أَهْلِهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ «لَا يَسْتَطِيعُونَ» فَيَكُونُ مِمَّا شَمِلَهُ التَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ، أَيْ فَلَا يَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِهِمْ، أَيْ هُمْ هَالِكُونَ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ، إِلَّا أَنَّهُ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ صَيْحَةُ الْحَرْبِ يُخَصَّصُ ضَمِيرُ يَرْجِعُونَ بِكُبَرَاءِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ هَلَكُوا يَوْمَ بَدْرٍ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُتَوَلُّونَ كِبْرَ التَّكْذِيبِ وَالْعِنَادِ، أَوِ الَّذِينَ أُكْمِلُوا بِالْهَلَاكِ يَوْمَ الْفَتْحِ مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ الَّذِي قُتِلَ يَوْم الْفَتْح.
[15]

[سُورَة يس (36) : آيَة 51]
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)
يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْحَالِ وَالْجُمْلَةُ مَوْضِعَ الْحَالِ، أَيْ مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً وَقَدْ نُفِخَ فِي الصُّورِ إِلَخْ.. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةً، وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ وَاقِعٌ بَيْنِ جُمْلَةِ مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً [يس: 49] إِلَخْ ... وَجُمْلَةِ وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا [يس:
66] .
وَالْمَقْصُودُ: وَعْظُهُمْ بِالْبَعْثِ الَّذِي أَنْكَرُوهُ وَبِمَا وَرَاءَهُ.
وَالْمَاضِي مُسْتَعْمَلٌ فِي تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ مِثْلُ أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: 1] . وَالْمَعْنَى: وَيُنْفَخُ فِي الصُّورِ، أَيْ وَيَنْفُخُ نَافِخٌ فِي الصُّورِ، وَهُوَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ، وَاسْمُهُ إِسْرَافِيلُ. وَهَذِهِ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر: 68] .
وَ «إِذَا» لِلْمُفَاجَأَةِ وَهِيَ حُصُولُ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا سَرِيعًا وَبِدُونِ تَهَيُّؤٍ. وَضَمِيرُ هُمْ عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَتْ إِلَيْهِ الضَّمَائِرُ السَّابِقَةُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى مَعْلُومٍ مِنَ الْمَقَامِ، أَيْ فَإِذَا النَّاسُ كُلُّهُمْ وَمِنْهُمُ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ.
والْأَجْداثِ: جَمْعُ جَدَثٍ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ الْقَبْرُ.
ويَنْسِلُونَ يَمْشُونَ مَشْيًا سَرِيعًا. وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَوَرَدَ مِنْ بَابِ نَصَرَ قَلِيلًا.
وَالْمَصْدَرُ: النَّسَلَانِ، عَلَى وَزْنِ الْغَلَيَانِ لِمَا فِي مَعْنَى الْفِعْلِ مِنَ التَّقْلِيبِ وَالِاضْطِرَابِ، وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ قُبِرُوا بَعْدَ الصَّيْحَةِ

الصفحة 36