كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 23)

يَحْسُنُ أَنْ تَكُونَ لِمَعْنَى غَيْرِ مَعْنَى التَّفْرِيعِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا وَإِلَّا كَانَتْ مُؤَكِّدَةً لِلْأُولَى وَذَلِكَ يُنْقِصُ مَعْنًى مِنَ الْآيَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (مِنَ) الْأُولَى مَوْصُولَةً مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ، وَتَكُونُ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ مُؤَكِّدَةً لِلْفَاءِ الْأُولَى فِي قَوْلِهِ: أَفَمَنْ حَقَّ إِلَخْ فَتَكُونُ الْهَمْزَةُ وَالْفَاءُ مَعًا مُؤَكِّدَتَيْنِ لِلْهَمْزَةِ الْأُولَى وَالْفَاءُ الَّتِي مَعَهَا لِاتِّصَالِهِمَا، وَلِأَنَّ جُمْلَةَ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ صَادِقَةٌ عَلَى مَا صَدَقَتْ عَلَيْهِ جُمْلَةُ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ، وَيَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ جَارِيًا عَلَى غَالِبِ اسْتِعْمَالِهِ مِنْ تَوَجُّهِهِ إِلَى كَلَامٍ لَا شَرْطَ فِيهِ. وَأَصْلُ الْكَلَامِ عَلَى اعْتِبَارِ (مَنْ) شَرْطِيَّةً: أَمَّنْ تَحَقُقْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَأَنْتَ لَا تُنْقِذُهُ مِنْهُ فَتَكُونُ هَمْزَةُ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ وَتَكُونُ هَمْزَةُ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ افْتُتِحَ بِهَا الْكَلَامُ الْمُتَضَمِّنُ الْإِنْكَارَ لِلتَّنْبِيهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ يَتَضَمَّنُ إِنْكَارًا، كَمَا أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَى نَفْيٍ قَدْ يَفْتَتِحُونَهُ بِحَرْفِ نَفْيٍ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقُوا بِالنَّفْيِ كَمَا فِي قَوْلِ مُسْلِمِ بْنِ مَعْبَدٍ الْوَالِبِيِّ مِنْ بَنِي أَسَدٍ:
فَلَا وَاللَّهِ لَا يُلْفَى لِمَا بِي ... وَلَا لِمَا بِهِمُ أَبَدًا دَوَاءُ
وَيُفِيدُ ذِكْرُهَا تَوْكِيدُ مُفَادِ هَمْزَةِ الْإِنْكَارِ إِفَادَةَ تَبَعِيَّةٍ.
وَأَصْلُ الْكَلَامِ عَلَى اعْتِبَارِ (مَنِ) الْأُولَى مَوْصُولَةَ: الَّذِينَ تَحِقُّ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَنْتَ لَا تُنْقِذُهُمْ مِنَ النَّارِ، فَتَكُونُ الْهَمْزَةُ فِي قَوْلِهِ: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ وَتَكُونُ هَمْزَةُ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ تَأْكِيدًا لِلْهَمْزَةِ الْأُولَى.
ومَنْ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ فِي النَّارِ مَوْصُولَةٌ. ومَنْ فِي النَّارِ هُمْ مَنْ حَقَّ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ لِأَنَّ كَلِمَةَ الْعَذَابِ هِيَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَوَقَعَ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ، وَالْأَصْلُ: «أَفَأَنْتَ تُنْقِذُهُ مِنَ النَّارِ» .

الصفحة 370