كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 25)

ثُمَّ أُتْبِعَ بِوَصْفِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَهُمْ سُكَّانُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ تَأْكِيدًا لِكَوْنِهِمْ مَحْقُوقِينَ بِأَنْ يَحْمَدُوهُ لِأَنَّهُ خَالِقُ الْعَوَالِمِ الَّتِي هم منتفون بِهَا وَخَالِقُ ذَوَاتِهِمْ فِيهَا كَذَلِكَ.
وَعَقَّبَ ذَلِكَ بِجُمْلَةِ وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ اسْتِدْعَاءَهُ خَلْقَهُ لِحَمْدِهِ إِنَّمَا هُوَ لِنَفْعِهِمْ وَتَزْكِيَةِ نُفُوسِهِمْ فَإِنَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُمْ كَمَا قَالَ: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات: 56، 57] .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي وَلَهُ الْكِبْرِياءُ مِثْلُهُ فِي فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَالْكِبْرِيَاءُ: الْكِبْرُ الْحَقُّ الَّذِي هُوَ كَمَالُ الصِّفَاتِ وَكَمَالُ الْوُجُودِ. ثُمَّ أُتْبِعَ ذَلِكَ بِصِفَتَيِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لِأَنَّ الْعِزَّةَ تَشْمَلُ مَعَانِيَ الْقُدْرَةِ وَالِاخْتِيَارِ، وَالْحِكْمَةُ تَجْمَعُ مَعَانِيَ تَمَامِ الْعِلْمِ وَعُمُومِهِ.
وَبِهَذِهِ الْخَاتِمَةِ آذَنَ الْكَلَامُ بِانْتِهَاءِ السُّورَةِ فَهُوَ مِنْ بَرَاعَةِ خَوَاتِمِ السُّوَرِ.

الصفحة 378