كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 25)

[47، 48]

[سُورَة فصلت (41) : الْآيَات 47 الى 48]
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ.
كَانُوا إِذَا أُنْذِرُوا بِالْبَعْثِ وساعته استهزأوا فَسَأَلُوا عَنْ وَقْتِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ مِنْهُمْ، قَالَ تَعَالَى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها [الْأَعْرَاف: 187] فَلَمَّا جَرَى ذِكْرُ دَلِيلِ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَذِكْرُ إِلْحَادِ الْمُشْرِكِينَ فِي دَلَالَتِهِ بِسُؤَالِهِمْ عَنْهَا اسْتِهْزَاءً انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى حِكَايَةِ سُؤَالِهِمْ تَمْهِيدًا لِلْجَوَابِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ، أَيْ إِلَى اللَّهِ يُفَوَّضُ عِلْمُ السَّاعَةِ لَا إِلَيَّ، فَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ. وَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِطَرِيقِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ، أَيِ الْأَجْدَرُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنْ لَا يَعْلَمَ أَحَدٌ مَتَى السَّاعَةُ وَأَنْ تُؤْمِنُوا بِهَا وَتَسْتَعِدُّوا لَهَا. وَمِثْلُهُ
قَول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ لَهُ: «مَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا»
، أَيِ اسْتِعْدَادُكَ لَهَا أَوْلَى بِالِاعْتِنَاءِ مِنْ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ وَقْتِهَا.
وَالرَّدُّ: الْإِرْجَاعُ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ لِتَفْوِيضِ عِلْمِ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ وَالتَّبَرُّؤِ مِنْ أَن يكون للمسؤول عِلْمٌ بِهِ، فَكَأَنَّهُ جِيءَ بِالسُّؤَالِ إِلَى النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّهُ إِلَى اللَّهِ.
وَفِي حَدِيثِ مُوسَى مَعَ الْخَضِرِ فِي «الصَّحِيحِ» «فَعَاتَبَ اللَّهُ مُوسَى أَنْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ»
وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ [النِّسَاء: 83] الْآيَةَ. وَعَطْفُ جُمْلَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَمَا بَعْدَهَا تَوْجِيهٌ لِصَرْفِ الْعِلْمِ بِوَقْتِ السَّاعَةِ إِلَى اللَّهِ بِذِكْرِ نَظَائِرَ لَا يَعْلَمُهَا النَّاسُ، وَلَيْسَ عِلْمُ السَّاعَةِ

الصفحة 5