كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 26)

الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِمَّا عَدَمُ ذِكْرِهَا الْبَتَّةَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ.
وَالْإِتْيَانُ مُسْتَعَارٌ لِلْإِحْضَارِ وَلَوْ كَانَ فِي مَجْلِسِهِمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [23] .
وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِ هَذَا إِلَى الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ فِي أَذْهَانِ أَصْحَابِ الْمُحَاجَّةِ فَإِنَّهُ يُقْرَأُ عَلَيْهِمْ مُعَاوَدَةً. وَوَجْهُ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِوَصْفِ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ لِيَسُدَّ عَلَيْهِمْ بَابَ الْمُعَارَضَةِ بِأَنْ يَأْتُوا بِكِتَابٍ يُصْنَعُ لَهُمْ، كَمَا قَالُوا: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ
هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الْأَنْفَال: 31] .
وأَثارَةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ: الْبَقِيَّةُ مِنَ الشَّيْءِ. وَالْمَعْنَى: أَوْ بَقِيَّةٌ بَقِيَتْ عِنْدَكُمْ تَرْوُونَهَا عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ السَّابِقِينَ غَيْرُ مَسْطُورَةٍ فِي الْكُتُبِ. وَهَذَا تَوْسِيعٌ عَلَيْهِمْ فِي أَنْوَاعِ الْحُجَّةِ لِيَكُونَ عَجْزُهُمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَقْطَعَ لِدَعْوَاهُمْ. وَفِي قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إِلْهَابٌ وَإِفْحَامٌ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ غَيْرُ آتِينَ بِحُجَّةٍ لَا مِنْ جَانِبِ الْعَقْلِ وَلَا مِنْ جَانِبِ النَّقْلِ الْمَسْطُورِ أَوِ الْمَأْثُورِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ [50] فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ.
[5، 6]

[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 5 إِلَى 6]
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (6)
اعْتِرَاضٌ فِي أَثْنَاءِ تَلْقِينِ الِاحْتِجَاجِ، فَلَمَّا أَمَرِ اللَّهُ تَعَالَى رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُحَاجَّهُمْ بِالدَّلِيلِ وَجَّهَ الْخِطَابَ إِلَيْهِ تَعْجِيبًا مِنْ حَالِهِمْ وَضَلَالِهِمْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً
إِلَخْ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ.
ومَنْ اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارٌ وَتَعْجِيبٌ. وَالْمعْنَى: لَا أحد أَشَدُّ ضَلَالًا وَأَعْجَبُ حَالًا مِمَّنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ دُعَاءَهُ فَهُوَ أَقْصَى حَدٍّ مِنَ الضَّلَالَةِ.

الصفحة 11