كتاب التحرير والتنوير (اسم الجزء: 26)

وَوَعْدِ الْمُؤْمِنِينَ بِنَعِيمِ الْخُلْدِ وَذِكْرِ مَا اسْتَحَقُّوا بِهِ تِلْكَ الدَّرَجَةَ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ.
ثُمَّ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ وَعَلَى أَنَّهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ بِمَا فِي بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي يُشَاهِدُونَهَا وَيُحِسُّونَ بِهَا دَالَّةً عَلَى سَعَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ عَلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ إِعَادَةِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ فَنَائِهِ وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ إِلَّا لِجَزَائِهِ.
وَالتَّعْرِيضِ بِالْإِنْذَارِ بِمَا حَاقَ بِالْأُمَمِ الَّتِي كَذَّبَتْ رُسُلَ اللَّهِ، وَبَيَانِ الشَّبَهِ التَّامِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
أُولَئِكَ. وَتَلْقِينِ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ الرُّجُوعَ إِلَى اللَّهِ وَتَصْدِيقِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَبْذِ الشِّرْكِ. وَمَعْذِرَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبِعَةِ إِعْرَاضِهِمْ وَالتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِكُفْرَانِ نِعْمَةِ الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ. وَوَعِيدِهِمْ عَلَى ذَلِكَ بِمِثْلِ مَا حلّ بأمثالهم.
[1- 6]

[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 1 إِلَى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (1) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (2) فَالْجارِياتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (4)
إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (6)
الْقَسَمُ الْمُفْتَتَحُ بِهِ مُرَادٌ مِنْهُ تَحْقِيقُ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَتَأْكِيدُ وُقُوعِهِ وَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ بِعَظِيمٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى قَسَمٌ بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَمُتَضَمِّنٌ تَشْرِيفَ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ بِمَا فِي أَحْوَالِهَا مِنْ نِعَمٍ وَدَلَالَةٍ عَلَى الْهُدَى وَالصَّلَاحِ، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ تَذْكِيرٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ فِيمَا أَوْجَدَ فِيهَا.
وَالْمُقْسَمُ بِهَا الصِّفَات تَقْتَضِي موصفاتها، فَآلَ إِلَى الْقَسَمِ بِالْمَوْصُوفَاتِ لِأَجْلِ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْعَظِيمَةِ. وَفِي ذَلِكَ إِيجَازٌ دَقِيقٌ، عَلَى أَنَّ فِي طَيِّ ذِكْرِ الْمَوْصُوفَاتِ تَوْفِيرًا لِمَا تُؤْذِنُ بِهِ الصِّفَاتُ مِنْ مَوْصُوفَاتٍ صَالِحَةٍ بِهَا لِتَذْهَبَ أَفْهَامُ السَّامِعِينَ فِي تَقْدِيرِهَا كُلَّ مَذْهَبٍ مُمْكِنٍ.

الصفحة 336